في عالم تزداد فيه المسافات اتساعًا وتتسع فيه دوائر الانشغال بالذات، تظل نماذج مثل عبد الإله الداودي، ابن مدينة الناظور ومنطقة بني شيكر، شاهدًا حيًا على أن الانتماء للوطن لا تحدّه الحدود الجغرافية، بل تسكنه القيم الراسخة والوفاء العميق.
ورغم انخراطه في مسار مهني متميز بألمانيا، حيث يشتغل كأحد الطهاة الرئيسيين في نادي أينتراخت فرانكفورت، أحد أبرز الأندية في “البوندسليغا”، لم يقطع الداودي صلته بالجذور، بل ظل وفيًا لنداء الأرض الأم، يعود إليها في كل فرصة، حاملًا في قلبه دفء الذاكرة الجماعية وروح الالتزام المدني.
إنه ليس فقط نموذجًا لكفاءة مغربية استطاعت أن تُثبت جدارتها في واحدة من أكثر البيئات المهنية تنافسية، بل هو أيضًا فاعل جمعوي وإنساني ظل لسنوات ممتدة يضع خبراته وشبكة علاقاته رهن إشارة المبادرات التي تخدم مغاربة العالم وقضايا الوطن. وإلى جانب مهامه المهنية، يتقلد الداودي اليوم مسؤولية داخل أكاديمية يوسف مختاري، المشروع الرياضي والتربوي الرائد الذي يسهر عليه نجم المنتخب الوطني السابق، والذي يسعى إلى تأطير شباب المهجر وتوجيههم نحو قيم التميز والانضباط والاعتزاز بالهوية المغربية.
وفي كل زيارة له إلى مسقط رأسه في الناظور، لا يمر الداودي مرور الكرام؛ بل يجعل من وجوده مناسبة للتواصل الفعّال والمشاركة البناءة، سواء من خلال دعم المبادرات التنموية، أو مرافقة الفاعلين المحليين، أو تقديم المساعدة المباشرة في صمت وتجرد، بعيدًا عن الاستعراض أو البحث عن الاعتراف.
إن مسار عبد الإله الداودي، بكل أبعاده الإنسانية والمهنية، يتقاطع مع الرؤية الملكية السامية التي ترى في مغاربة العالم طاقة وطنية كامنة، وشركاء فاعلين في المسار التنموي للمملكة. فالرجل يُجسد في سلوكه ومسيرته تلك الصورة النموذجية لمواطن مغربي في الخارج، ينجح في التميّز ويُصر في الوقت ذاته على رد الجميل لوطنه، ليس بالشعارات، بل بالفعل والالتزام المتجدد.
وفي زمن تتشابك فيه التحديات وتتصاعد فيه الحاجة إلى بناء الجسور بين الداخل والخارج، يظل أمثال عبد الإله الداودي سفراء غير رسميين للمغرب، يجمعون بين الاحتراف والانتماء، وبين النجاح الشخصي وخدمة المصلحة العامة.
إنه باختصار، رجل من طينة خاصة… اختار أن يكون صوته صامتًا، لكن أثره بالغ. لا يبحث عن التصفيق، بل عن القيمة. ولا يُقاس حضوره بالأضواء، بل بما يتركه من أثر في النفوس والمجتمعات.
16/07/2025