kawalisrif@hotmail.com

سبتة المحتلة … من “داعش” إلى التطرف الرقمي: حين يتحوّل الهامش إلى بؤرة تهديد أمني عابر للحدود

سبتة المحتلة … من “داعش” إلى التطرف الرقمي: حين يتحوّل الهامش إلى بؤرة تهديد أمني عابر للحدود

بين جدران المدينة المحتلة، حيث تعيش سبتة على إيقاع هش ومتصدّع، تتكشّف خيوط تحول خطير في طبيعة التهديدات الإرهابية التي تضرب أوروبا. لم تعد القصة تدور حول تنظيم “داعش” التقليدي، بقدر ما تتعلّق اليوم بجيل جديد من “المتطرفين الرقميين”، ممن يصنعون عنفهم في العزلة، ويعتنقون الراديكالية عبر شاشة هاتف ذكي، لا منابر مساجد أو معسكرات تدريب.

تقرير صادر عن “المرصد الدولي لدراسات الإرهاب” يرسم تحوّلاً بنيوياً في شكل التهديد الإرهابي: لم تعد الهجمات الكبرى من تخطيط خلايا خارجة من سوريا أو العراق، بل بات الخطر كامناً في شباب منفرد، بدون سوابق ولا روابط تنظيمية، يغوص في محتوى متطرف على “تيك توك” أو “تيليغرام”، ويقتنع، في ظرف أيام، بأن طريق الجنة يمر عبر دماء أبرياء.

وهنا تبرز سبتة المحتلة كمثال حي على هذا التحوّل. المدينة الواقعة على أطراف الوطن، والتي يصرّ الاحتلال الإسباني على فصلها عن امتدادها المغربي، تحوّلت إلى حاضنة محتملة لهذا النوع من التطرف بفعل العوامل المتراكمة: البطالة، التهميش، الاحتقان الهوياتي، وانفصام الولاء السياسي.

في أقل من سنة، شهدت المدينة عمليتين نوعيتين: الأولى اعتقلت شاباً يروج للدعاية “الداعشية” على الإنترنت، والثانية أفضت إلى تفكيك خلية تربطها علاقات بمنطقة الساحل، وكانت تخطّط لهجمات مزدوجة بين المغرب والضفة الأخرى. كل هذا يُثبت أن سبتة لم تعد مجرد “نقطة عبور”، بل صارت فعلياً نقطة انطلاق لعمليات هجينة… رقمية، شبكية، ولا مركزية.

التحوّل في نموذج الإرهاب العالمي بعد سقوط “داعش” لم يُلغِ الخطر، بل غيّره شكلاً ولوناً. فبدلاً من الجهادي القادم من الرقة أو الموصل، أصبح الفاعل شاباً منفرداً، يقرأ منشورات تحريضية، يشاهد فيديوهات الذبح، ويقرّر أن “يُبايع” من غرفته عبر تسجيل فيديو على الهاتف.

هنا لا يحتاج الإرهابي لسلاح ناري أو متفجرات، بل سكين مطبخ، سيارة، أو حتى مطرقة، وهو ما جعل تتبع هذه الحالات مهمة شبه مستحيلة لأجهزة الاستخبارات.

في مقابل هذا التهديد المتحول، تبرز أهمية التنسيق المغربي-الإسباني، الذي مكّن غير ما مرة من كشف خلايا خطيرة قبل تحرّكها. الرباط، بخبرتها الرائدة في تفكيك شبكات التطرف، لعبت دور “درع استباقي”، ليس فقط لحماية ترابها، بل لتحصين الفضاء المتوسطي بأكمله.

ويجمع خبراء أن المغرب بات اليوم شريكاً أمنياً لا غنى عنه في معادلة الاستقرار الإقليمي، لاسيما في ظل ما يُعرف بـ”داعش خراسان”، التنظيم الأخطر حالياً، والذي تبنّى مجازر في روسيا وإيران، ويسعى لتوسيع نشاطه نحو أوروبا، عبر خلايا نائمة في دول كفرنسا وألمانيا وهولندا.

المفارقة المؤلمة أن هذه الهجمات باتت ترتبط بشكل وثيق بالصراعات الجيوسياسية، وتحديداً في ما يتعلّق بالهجوم الإسرائيلي المستمر على غزة. فقد شهد عام 2024 تصاعداً في الاعتداءات ضد رموز يهودية في أوروبا، ما يؤكد أن بعض الشبان المغاربيين في أوروبا باتوا يجدون في العنف “رداً على الظلم”، في غياب خطاب سياسي بديل.

أحد أبرز هذه الهجمات، ارتكبه فتى يبلغ من العمر 15 سنة في زيورخ، طعن يهودياً بعد أن نشر فيديو “بيعة” لتنظيم “داعش”، في واقعة تُلخص مدى تغلغل العنف الرقمي في الأجيال الجديدة.

في زمن تتحوّل فيه الحواسيب إلى قنابل، وتصبح الغرف المغلقة خلايا افتراضية، لم تعد سبتة مجرد ملف جغرافي عالق، بل أصبحت مركز تماس بين المحلي والعالمي، بين الهويات المتصدعة والتهديدات العمياء.

ومن هنا، فإن المغرب حين يُطالب باسترجاع سبتة، لا يدافع فقط عن الأرض، بل عن الأمن القومي، وحصانة المنطقة من تحوّلها إلى مصنع صامت للغلو والتطرف.

سبتة ليست قضية حدود فقط، بل قضية انتماء، وواجهة أولى في معركة العالم مع جيل جديد من الإرهاب، لا يحتاج لجواز سفر… بل فقط اتصالاً بالإنترنت.

16/07/2025

Related Posts