في تطوّر غير مسبوق داخل المشهد السياسي بمليلية المحتلة، عاد المغربي مصطفى أبرشان، زعيم حزب “تحالف من أجل مليلية” (CpM)، إلى الواجهة بخطاب بدا أقرب إلى محاولة إنعاش جسد سياسي يترنّح تحت ضربات داخلية وخارجية متلاحقة، بعد أن خرج جناح إصلاحي يقوده محمد بوزيان بمبادرة “الائتلاف الجديد”، مطالباً بقطيعة واضحة مع ماضي الحزب وهيمنة رموزه التقليديين.
في تصريح يشي بقلق دفين من الزلزال الداخلي المتنامي، قال أبرشان إن “الولاء لتحالف من أجل مليلية لا يُقاس بعيون القيادة وحدها”، وهي عبارة وإن بدت تسويقية، إلا أنها تُخفي اعترافًا ضمنيًا بأن قطار التمرد قد انطلق بالفعل. فالتعدد الذي يراه أبرشان مصدر قوة، يعتبره خصومه غطاءً لعجز القيادة عن التفاعل مع المتغيرات الاجتماعية والسياسية داخل المدينة.
ورغم محاولته التذكير بـ”تاريخ CpM العاطفي” و”رصيده من النضال”، إلا أن تلك اللغة العاطفية لم تعد تقنع مناضلين باتوا يرون في قيادتهم رمزًا لجيل انتهت صلاحيته. فالحزب الذي تأسس على أنقاض التهميش السياسي لأبناء المدينة، بات هو نفسه رمزًا للإقصاء الداخلي وتدوير نفس الوجوه.
مبادرة “الائتلاف الجديد” لم تكن ردة فعل معزولة، بل نتيجة تراكمات من التذمر والغضب، لا سيما مع تراجع تأثير الحزب في الميدان وتآكل علاقته بالقاعدة الشعبية. بوزيان ومن معه لم يعودوا مستعدين للصمت، بل أعلنوا عن نية صريحة لإعادة هيكلة الحزب وفق منطق الكفاءة، لا الولاء، والبرامج لا الشعارات.
وبعد غياب إعلامي دام لأكثر من عامين، عاد أبرشان في ندوة صحفية بمقر الحزب، ليطرح ما وصفه بـ”خريطة طريق تنموية” تقوم على “الاستقلال المالي لمليلية” وإنشاء “منطقة اقتصادية خاصة”، في خطوة يُفترض أن تنقذ المدينة من حالة الركود الخانق، وتعيد خلق فرص عمل للشباب. لكن خطابه جاء باهتًا، وسط غياب الثقة في قدرة القيادة الحالية على تحويل الوعود إلى واقع ملموس.
وفي تفسيره لفترة الغياب، كشف أبرشان أنها جاءت بناءً على نصائح قانونية، في إشارة إلى ملفات الفساد التي تُلاحق الحزب وقيادته، والتي وصفها بـ”تصفية حسابات سياسية”. غير أن هذا التبرير لم يوقف تساؤلات الشارع: هل الغياب كان تهرّباً أم محاولة للهروب من المساءلة؟
أبرشان حاول تقديم رؤية بديلة لمستقبل المدينة، داعيًا إلى تحويلها إلى “مدينة جامعية وخدمية”، وإحداث كلية للطب، ودعم الاستثمار في النقل والمشاريع المستدامة. كما انتقد بشدة ما وصفه بـ”ازدواجية المعايير” في التعامل بين الرباط ومدريد، مشيرًا إلى أن مليلية تُعامل تجاريًا بأسوأ مما يُمنح لمناطق أخرى.
في الجانب الاجتماعي، دافع أبرشان عن مقاربة للتنوع الثقافي والاجتماعي، لكنه لم يُقدّم خطوات عملية تتجاوز الشعارات. “التعايش لا يُبنى بالكلمات بل بالمؤسسات”، يعلّق ناشط محلي، مضيفًا: “ما نحتاجه هو قانون ينصفنا، لا بيان يُطمئننا”.
الواضح أن حزب “تحالف من أجل مليلية” يعيش أخطر لحظاته، بين قيادة تتمسك بشرعية عمرها ثلاثون عامًا، وقاعدة تطالب بقيادة جديدة تعبّر عن جيل وواقع مختلفين. خطاب أبرشان الأخير قد يُرضي بعض الأنصار، لكنه بلا شك لن يُوقف زحف التغيير.
في مدينة تُحاصرها ملفات اقتصادية واجتماعية وأمنية معقّدة، لم يعد مقبولاً أن يبقى العمل السياسي حبيسَ مصالح انتخابية ضيقة. والأكيد أن مصير CpM مرهون بقدرته على القطع مع الماضي، وإعادة الاتصال بالشارع الذي صبر كثيرًا، لكنه بدأ الآن يرفع صوته: كفى.
17/07/2025