واصل خوان خوسيه إمبرودا، رئيس مليلية المحتلة، عزف نغمة الاحتلال بنبرة استعمارية متعالية، مطالبًا المغرب بما وصفه بـ”اعتراف رسمي بسيادة إسبانيا على المدينة”، في خطوة وصفتها مصادر سياسية مغربية بأنها استمرارٌ لمنطق الاستفزاز والمكابرة التاريخية، وعنوانٌ لأزمة ذهنية استعمارية لم تتعافَ منها بعض النخب الإسبانية.
إمبرودا لم يكتفِ بمهاجمة موقف المغرب الرافض لمشاركة جبهة “البوليساريو” في مؤتمر الحزب الشعبي الإسباني، بل مضى في لعب دور “الوصي على السيادة”، واضعًا شروطًا عبثية، ومتنكّرًا للواقع الجغرافي والتاريخي الذي يجعل من مليلية وسبتة مدينتين مغربيتين خاضعتين للاحتلال منذ قرون.
التصريحات جاءت في سياق محاولة لتبرير صمت الحزب الشعبي الإسباني تجاه استفزازات جبهة “البوليساريو”، وتبرئة نفسه من التواطؤ السياسي غير المعلن مع خصوم الوحدة الترابية المغربية. لكن إمبرودا، في سعيه لإرضاء مزاج اليمين الإسباني، تجاهل عن عمد أن مواقف المغرب من قضاياه المصيرية ليست موضوعاً للنقاش أو المقايضة، وأن وحدة التراب الوطني المغربي ليست مطروحة للجدل.
حديث إمبرودا عن “ديمقراطية إسبانية متقدمة لا تقبل الإملاءات” يفقد كل وجاهته حين يصدر عن مسؤول يمثّل كياناً استعمارياً جاثماً على أرض ليست له، ويتصرّف وكأنه صاحب سيادة شرعية على مدينة انتُزعت من المغرب في زمن كانت فيه القوة معيارًا للشرعية، لا القانون ولا التاريخ.
رئيس المدينة المحتلة حاول تبرير ادعاءاته باستحضار وقائع مثيرة للسخرية، مثل “سرقة سيف تمثال استعماري”، وكأن استعارة قطعة حديدية من تمثال استيطاني في ساحة مليلية تعادل المطالبة التاريخية لشعب كامل باسترجاع أرضه! المفارقة أن هذا الخطاب، بدل أن يكرّس واقعًا، يعيد فتح الجرح التاريخي ويؤكّد أن الاحتلال مهما طال، لا يُولّد سيادة.
تصريحات إمبرودا جاءت متزامنة مع الحركية المتنامية داخل المغرب لإعادة طرح ملف سبتة ومليلية في واجهة النقاش الدبلوماسي والمؤسساتي، وآخرها إعادة تنشيط “لجنة تحرير سبتة ومليلية”، في رسالة واضحة مفادها أن الاحتلال الإسباني للمدينتين لن يتحوّل إلى أمر واقع، مهما تواطأت المصالح أو طالت المدة.
ما قاله إمبرودا يكشف ليس فقط ضيق أفق سياسي، بل أزمة نخب لا تزال تنظر إلى شمال المغرب باعتباره “حديقة خلفية” لإسبانيا، ويمكنها فرض وصايتها متى شاءت، غافلة عن التغييرات الجيوسياسية، وعمق التحولات التي جعلت من المغرب رقماً إقليمياً صعباً، يُرسم معه المستقبل لا يُفرض عليه.
ما ينبغي على إمبرودا استيعابه هو أن اعتراف المغرب بـ”إسبانية مليلية” لن يأتي لا الآن ولا مستقبلاً، لأن السيادة لا تُمنح ببيانات سياسية، بل تُنتزع بحق التاريخ والانتماء والهوية. ومليلية، شأنها شأن سبتة والجزر الجعفرية، ستظل جزءًا لا يتجزأ من الوطن المغربي، مهما علا صراخ المستوطنين المؤقتين.
17/07/2025