في اعتراف يُربك الرواية الرسمية لمدريد ويُسقط ورقة التوت عن الخطاب المتخشب، أقرّ السفير الإسباني الأسبق لدى واشنطن، خافيير روبيريس، بأن المغرب لا يزال يُدرج مدينتي سبتة ومليلية ضمن خارطته الوطنية، مؤكداً أن الرباط لم تُساوم يوماً على هويتهما ولا تخلّت عن مطالبها السيادية تجاههما.
وفي تصريحات مثقلة بالدلالات أدلى بها خلال مشاركته في برنامج “لا أورا دي لا أونو” على القناة الأولى الإسبانية، سلّط روبيريس الضوء على ما أسماه بـ”الخط الترابي الثابت” الذي تنتهجه الرباط، مشيراً إلى استمرار “لجنة تحرير سبتة ومليلية”، المدعومة سياسياً وشعبياً في المغرب، باعتبارها تجسيداً حيّاً لرفض الاحتلال الإسباني.
السفير الإسباني السابق شدد على أن المسألة ليست مجرد نزاع رمزي أو خلاف دبلوماسي عابر، بل تُمثل امتداداً مباشراً لتصفية استعمار لم يكتمل، فيما حذّر من “البرود السياسي” في مدريد، منتقداً أداء حكومات إسبانية سابقة “تواطأت بالصمت” مع الواقع غير الشرعي للاحتلال.
وفي توقيت لم يكن بريئاً، جاءت رسالة إلكترونية من السلطات المغربية تُعلن إغلاق المعبر التجاري في بني أنصار “حتى إشعار آخر”، لتعيد مليلية المحتلة إلى واجهة التوتر، وتربك حسابات الإدارة المحلية الخاضعة للسيادة الإسبانية.
وبررت الرباط الخطوة بترتيبات عملية العبور الصيفي، غير أن المتابعين رأوا فيها تأكيداً إضافياً على أن المغرب يُعيد هندسة العلاقة مع الثغرين المحتلين من منطلق سيادي، ويريد فكّ تبعية اقتصادية طالما استفادت منها مدريد على حساب الاقتصاد الحدودي المغربي.
زعيم الحزب الشعبي في مليلية المحتلة، خوان خوسيه إمبرودا، لم يجد غير التهكّم ليُخفي انفعاله، وهاجم الحكومة المركزية قائلاً: “كفى أكاذيب. الرباط تقرر ونحن ننتظر على الأرصفة. لم تعد تمر حتى شاحنة واحدة، وكل ما يُقال عن التسهيلات هو مسرحية هزلية لن تنتهي إلا بالتصفيق للواقع المرير”.
منذ وقف التهريب المعيشي سنة 2018، خسرت مليلية السليبة أكثر من نصف نشاطها المينائي، وفقدت 80% من الوسطاء الجمركيين، فيما تقلّصت المداخيل العمومية بمعدل 14 مليون يورو سنوياً. هذه الأرقام تعكس التآكل التدريجي لجدوى الاحتلال.
أما في الجانب المغربي، فرغم المتاعب المرحلية للأسر المتضررة، فإن التحولات الاقتصادية في إقليمي الناظور والدريوش تسير نحو نموذج تنموي قائم على السيادة والتحرر من الابتزاز الحدودي.
الواقع الجديد لم يعد يقبل التجزئة: المغرب بات يُدير ملفات السيادة بمنطق المبادرة لا بردّ الفعل، ويعيد هندسة الجغرافيا السياسية للمملكة انطلاقاً من الجنوب نحو الشمال، بثقة تُربك الجار الإسباني.
قضية سبتة ومليلية، كما الصحراء المغربية، باتت مكوّناً مركزياً في العقيدة الدبلوماسية للمغرب، والدفاع عنها لم يعد خطاباً رمزياً، بل ممارسة سيادية تُترجم إلى قرارات واقعية تُوجع مدريد أكثر مما تُفرح الرباط.
17/07/2025