شهدت مليلية المحتلة صباح الخميس 17 يوليو الجاري، مراسيم تسليم وتسلم القيادة بـ”القيادة العسكرية الجوية بمطار مليلية”، وهي وحدة تابعة لسلاح الجو الإسباني، ترمز في عمقها إلى تمسّك مدريد باستمرار مظاهر السيادة المفروضة على المدينة المغربية المحتلة.
وقد تولّى العقيد إنريكي خافيير لوبيز برنابيه رسمياً قيادة هذه الوحدة خلفاً للعقيد فرناندو غونثاليث كوندي لوبيث، في حفل ترأسه الجنرال خيرونيمو دومينغيز باربيرو، قائد القيادة الجوية العامة، الذي حضر خصيصاً من مدريد، في تأكيد جديد على الأهمية الرمزية والعسكرية التي تمنحها إسبانيا لتواجدها في هذه الثغر المغتصب.
الحفل العسكري لم يكن مجرد إجراء بروتوكولي داخلي، بل حمل رسائل واضحة حول الرغبة الإسبانية في ترسيخ البنية العسكرية بالمدينة، مع حضور كبار ضباط الجيش وممثلي الحرس المدني، إلى جانب شخصيات مدنية، أبرزهم نائب رئيس ما تُسمى بـ”المدينة الذاتية الحكم”، دانييل فينتورا.
كما حضر اللقاء رئيس المدينة، خوان خوسيه إمبرودا، الذي استقبل القائد الجديد وعائلته، في تقليد إسباني يُقصد به منح الطابع المحلي والوطني لمظاهر الاحتلال، والتغطية عليها بتفاعلات “مدنية” محلية.
في كلمته خلال الحفل، شدّد الجنرال دومينغيز باربيرو على أن عملية تسليم القيادة لا تتعلق فقط بتدوير المناصب، بل تهدف إلى “تجديد روح الانضباط وتحليل المرحلة الماضية والاستعداد للتحديات المقبلة”، مشيدًا بـ”الدور الاستراتيجي” الذي تلعبه القاعدة الجوية بمليلية ضمن بنية “الجيش الجوي والفضائي” الإسباني، وهو توصيف يعكس التصور العسكري لموقع المدينة كـ”رأس حربة” متقدم في شمال إفريقيا.
وأشار الجنرال إلى أن هذه الوحدة العسكرية تخدم منذ سنة 1921، وهو تاريخ يذكّر المغاربة جيدًا بسياق الاستعمار الإسباني وبداية ترسيخ التواجد العسكري في الثغرين المحتلين، في خضم مقاومة شرسة قادها المجاهد محمد بن عبد الكريم الخطابي.
الجنرال الإسباني لم يكتفِ بالحديث عن الجوانب التقنية، بل أرسل رسائل سلطوية واضحة، حين ذكّر العقيد الجديد أن منصبه يمنحه “الحق في إصدار الأوامر والسلطة في فرضها”، مستشهداً بالمادة 53 من القوانين العسكرية الإسبانية، التي تحث على “فرض الاحترام” و”غرس الانضباط”، في إشارة إلى البعد العمودي لسلطة القائد.
كما لم يُغفل التطرق للجانب الإنساني، داعياً القائد الجديد إلى “الاهتمام بأفراد وحدته ومعرفة أوضاعهم المعيشية والمعنوية”، في محاولة لصقل صورة “القائد الأبوي” الذي يقود “أسرة عسكرية”.
الحفل ختم بـ”وجبة جماعية” حضرها قادة الجيش وأفراد العائلتين، في تقليد يستبطن تطبيع الحضور العسكري في فضاء مدني مغربي محتل، وتحويل القاعدة الجوية إلى “نقطة أمن واستقرار” بدل وضعها في إطارها الحقيقي كأداة استعمارية متجذرة في عمق مدينة مغربية تُطالب الرباط رسميًا باسترجاعها.
وسط تعاقب القيادات وتوالي الاحتفالات، يحرص الجيش الإسباني على تقديم وجوده العسكري في مليلية المحتلة كأمر “طبيعي”، في حين تُدرك الرباط والشارع المغربي أن مثل هذه المناسبات ليست إلا محاولة لتكريس الاحتلال بأساليب ناعمة، تُغلف البعد الاستعماري بمفردات الانضباط والخدمة العامة.
ومهما تعاقب القادة وتبدلت الوجوه، فإن الحقيقة الثابتة هي أن مليلية، كباقي الثغور المحتلة، ستظل أرضًا مغربية تنتظر التحرير الكامل.
17/07/2025