kawalisrif@hotmail.com

قصة سليمان” … فيلم فرنسي مثير حول معاناة مهاجر سري إضطر إلى طلب اللجوء بدليل مفبرك

قصة سليمان” … فيلم فرنسي مثير حول معاناة مهاجر سري إضطر إلى طلب اللجوء بدليل مفبرك

في فيلم “قصة سليمان” للمخرج الفرنسي بوريس لوجكين، لا يروي السرد مجرد وقائع، بل يتقمص دور “المنقذ” في لعبة بقاء قاسية يعيشها المهاجر غير النظامي، حيث يتحول الحكي إلى أداة قانونية، وطقسٍ ضاغط للعبور من الهامش إلى المركز، من اللاشرعية إلى “حق اللجوء”، ومن نداء الداخل إلى صمت الإدارات.

يرصد الفيلم، الذي عُرض سنة 2024، تفاصيل يومية من حياة الشاب الغيني سليمان سنغاري، مهاجر شاب يقيم في فرنسا ويكافح من أجل نيل حق اللجوء، في محاكاة دقيقة ومعبرة لحال آلاف المهاجرين الأفارقة العالقين في مفترق الهوية والانتماء والشرعية القانونية.

منذ المشهد الأول، يُقدّم لوجكين بطل فيلمه وهو واقف في طابور طويل، يحمل ملفًا بيد وحقيبة على ظهره، مشهدٌ يعكس هشاشة المهاجر وقلقه الدائم من الرفض، ويختزل شعورًا باللاانتماء وغياب الاستقرار. سليمان، في تلك اللحظة، لا يُمثّل نفسه فحسب، بل هو صورة رمزية للتيه الوجودي الذي يعيشه المهاجر بين ثقافتين وحدّين.

في قالب شبه وثائقي، يعتمد لوجكين أسلوب الكاميرا المحمولة واللقطات القريبة، مما يضفي على العمل واقعية خامّة، ويتيح للمشاهد الانغماس في تفاصيل التوترات النفسية التي تطبع تحركات سليمان، خصوصًا وهو يقود دراجته في شوارع باريس لتوصيل الطلبات. دراجته، إلى جانب هاتفه الذكي، ليستا فقط أدوات عمل، بل رمزان لهشاشة اقتصاده الشخصي، ولانخراطه القسري في منظومة الهامش.

لكن المفارقة الكبرى التي يسلط الفيلم الضوء عليها، تكمن في ضرورة “اختلاق قصة” للنجاة. سليمان لا يحكي عن معاناته الحقيقية، بل يتدرب على سرد قصة ملفّقة، حفظها عن ظهر قلب بمساعدة مدربه ومواطنه “باري”، الذي مرّ قبله بنفس الجحيم. وهنا يصبح الحكي طقسًا مؤلمًا، عبئًا لا تطهرًا، يُفرض على المهاجر ليكسب شرعية الدولة المضيفة، في مفارقة صادمة بين الذات والتمثيل المفروض عليها.

السيناريو، الذي كتبه لوجكين إلى جانب ديلفين أغوت، مستلهم من تجربة حقيقية لبطل الفيلم أبو سنغاري، الذي يؤدي دوره بنفسه، ومن شهادات موزّعي الطلبيات من المهاجرين غير النظاميين. وهذا الاختيار الفني، المتمثل في إشراك ممثلين غير محترفين، يُضفي على العمل مزيدًا من الصدق والحميمية.

أما باريس، كما تظهر في الفيلم، فهي ليست مدينة الأنوار ولا الفردوس الأوروبي الذي يتخيله القادمون من الضفة الجنوبية للمتوسط، بل فضاء بارد وقاسٍ، تُغلفه العزلة والغربة، خاصة في مشاهده الليلية. مدينة تراقب ولا تفتح ذراعيها، تستجوب القصص ولا تصغي للحقائق، تمتحن الذاكرة ولا تعترف بالوجع.

“قصة سليمان” لا يقدّم بطله كاستثناء، بل كجزء من مشهد أوسع، كتفصيل صغير في مأساة كبرى، وكصوت واحد وسط جوقة من الأصوات المقهورة التي لم تنل فرصة الحكي، أو لم تُمنح حق الحكي بصوتها. سليمان ليس لاجئًا خارقًا ولا مناضلًا كبيرًا، بل شاب عادي، بطموحات بسيطة، مثقل بالشكوك، مسكون بقلق البقاء.

في النهاية، ليس الفيلم فقط تمرينًا بصريًا حول الهجرة، بل هو تأملٌ فلسفي في معنى الحكي في عالم مقلوب: حيث يضطر الإنسان إلى أن يسرد قصة غير قصته، فقط ليستحق الحياة.

17/07/2025

Related Posts