في توقيتٍ سياسي لا يخلو من الرمزية، وفي الذكرى القاتمة لما سُمي ذات يوم “ترسيم الحدود” في عهد الحماية، خرج محمد الصغير، نائب رئيس جماعة بني أنصار، بتدوينةٍ وصفت بـ”المدفعية السيادية”، ليُسجّل موقفًا صريحًا غير قابل للتأويل: سبتة ومليلية أراضٍ مغربية محتلة… والاحتلال لا يُشرّع بمرور الزمن، بل يُدين نفسه مع كل دقيقة صمت.
التدوينة لم تكن مجرد رأي فردي، بل إعادة ضبط للبوصلة السياسية نحو ملفٍ ما فتئ يُدار ببرودة دبلوماسية، في الوقت الذي يَعتبره الشارع المغربي جرحًا مفتوحًا في خاصرة السيادة الوطنية.
أكثر ما شدّ الانتباه في خرجته، هو التذكير المُلهم بأن مدينة بني أنصار، الواقعة على تخوم مليلية المحتلة، ليست مجرد نقطة جغرافية، بل “مرآة كاشفة” لوهم السيادة الإسبانية على تراب مغتصب. ففي كلماته، يستحضر الصغير تلك المشاهد التي لا تُخطئها العين: حدود وهمية مرسومة بالحماية الفرنسية، وأسلاك شائكة تُفصل بين المغاربة وترابهم المغتصب، وأعلام أجنبية تُرفع فوق شوارع عربية أمازيغية.
لم تتأخر صحف مدريد في الرد. مقالات هجومية، ونعوت بالتطرف، وحملات إعلامية منسّقة، كلها خرجت من مطابخ الخارجية الإسبانية لتهاجم اللقاءات الرمزية في الناظور وتطوان، وتحاول تشويه النَفَس الجديد الذي تقوده “لجنة التحرير” والتنسيقية الموازية لها.
لكن هذا الانزعاج الإسباني لم يكن بسبب مضمون اللقاءات فحسب، بل بسبب ما أفرزته: عودة الوعي المغربي، وانتقاله من الصحراء إلى سبتة ومليلية، في موجة سيادية لا تعرف أنصاف المواقف.
في تصعيد ذكي، طرح محمد الصغير فكرة إقرار يوم 19 شتنبر كيوم وطني مغربي للكرامة والسيادة، بالتزامن مع ما تسميه مدريد “يوم مليلية”. هذا التحوّل في التسمية ليس مجرّد ردّ رمزي، بل تقويض مباشر للأسطورة الاستعمارية التي تُقدّم الاحتلال كـ”وضع شرعي”، وكأن ما فُرض بالبارود يمكن أن يكتسب طابعًا قانونيًا بمرور الزمن.
إنها دعوة إلى مواجهة الذاكرة الكولونيالية بيوم مضادّ، مغربيّ الهوية، وطنيّ في الدلالة، ومقاومٌ في الجوهر.
بعيدًا عن الخطاب الخارجي، حملت تدوينة نائب رئيس جماعة بني أنصار رسالة واضحة إلى صناع القرار في الرباط: آن الأوان لكسر جدار الصمت البارد، وتكثيف التعبئة الرسمية حول ملف السيادة على المدينتين المحتلتين. لا يكفي أن تبقى القضية بندًا خلفيًا في تقارير الدبلوماسية، بل يجب أن تتحول إلى ورقة ضغط شعبية وسياسية، تُواجه بها مدريد بنفس المنطق الذي واجهت به الرباطُ خصومها في ملف الصحراء المغربية.
“
17/07/2025