في تحول سياسي حاد يشي بعصر أوروبي أكثر تشددًا، أعلنت الحكومة الألمانية الجديدة ذات الأغلبية المحافظة نيتها التحول إلى ما وصفته بـ”قاطرة أوروبا ضد الهجرة”. وجاء ذلك خلال قمة وزارية رمزية عُقدت على قمة جبل تسوغشبيتسه، أعلى قمة في ألمانيا، بحضور وزراء داخلية من بولندا وفرنسا والنمسا والدنمارك والتشيك، إضافة إلى المفوض الأوروبي للهجرة، النمساوي ماغنوس برونه.
اللقاء الذي جاء في سياق صعود اليمين الأوروبي لم يكن مجرد تبادل للمواقف، بل تزامن – على نحو صادم – مع أول عملية ترحيل جماعي إلى أفغانستان تنفذها حكومة فريدريش ميرتس. وشملت العملية ترحيل 81 مهاجرًا أفغانيًا مدانين بجرائم خطيرة، في رحلة انطلقت من مدينة لايبزيغ وتم التنسيق فيها مع قطر، التي لعبت دور الوسيط الاستراتيجي.
وأكد وزير الداخلية الألماني، ألكسندر دوبريندت، أن العملية لم تكن مرتبة لتتزامن مع القمة، رغم الجدل الكبير الذي أثارته بين من يرى فيها استعراضًا إعلاميًا ورسالة سياسية قاسية موجهة للرأي العام الأوروبي.
وفي كلمات بدت وكأنها إعلان نهاية لحقبة ميركل، شدد المستشار ميرتس على أن ألمانيا لم تعد قادرة على “تحمّل أعباء الهجرة غير النظامية”، وأن المدن والمجتمعات المحلية لم تعد تحتمل الضغط. ومن قلب جبال بافاريا، أعلن زعماء القمة عزمهم الدفع نحو تشديد سياسة اللجوء الأوروبية، وتسريع تنفيذ “الميثاق الأوروبي الجديد للهجرة واللجوء”.
البيان الختامي للقمة دعا إلى اعتماد آليات ترحيل منتظمة إلى أفغانستان وسوريا، وتأسيس مراكز استقبال خارج حدود الاتحاد الأوروبي، وتسهيل نقل طالبي اللجوء المرفوضين إلى “دول آمنة قريبة من بلدانهم الأصلية”. كما اقترح فرض قيود تأشيرات على الدول التي ترفض استعادة مواطنيها، في إطار استراتيجية أوروبية شاملة للردع.
كما دعا المشاركون إلى تعزيز التنسيق الأمني والمعلوماتي بين الدول الأعضاء، من أجل تفكيك شبكات تهريب البشر وتتبع مصادر التمويل غير المشروع.
ألمانيا، بحسب وزير داخليتها، ستواصل فرض مراقبة صارمة ومؤقتة على حدودها إلى حين استكمال “منظومة حماية أوروبية فعالة للحدود الخارجية”. وكانت بولندا قد انتقدت هذه الخطوة وردت بمراقبة مماثلة، ما أدى إلى تراجع تدفقات المهاجرين عبر مسارها التقليدي، غير أن وزير داخليتها كشف أن طرق التهريب تحولت إلى ليتوانيا.
التحول الحاد في الموقف الألماني لم يمر دون معارضة. فقد انتقدت ناتالي باوليك، مفوضة اللاجئين الاشتراكية، القمة ووصفتها بأنها “مسرح سياسي للهروب من مسؤولية الإدماج”. كما أعرب حزب الخضر عن استيائه من الاتصالات غير المباشرة مع حركة طالبان، والتي كانت ضرورية لتنفيذ الترحيل، معتبرًا الأمر “تطبيعًا مع الإرهاب”.
أما النائبة اليسارية كلارا بيونغر، فوصفت عملية ترحيل الأفغان بأنها “صفعة إنسانية”، متهمة الحكومة بـ”التعاون مع نظام ملاحق من طرف المحكمة الجنائية الدولية”.
أمام موجة الانتقادات، حاول وزير الداخلية دوبريندت التخفيف من حدة الصورة، مؤكدًا أن التواصل مع طالبان كان “فنيًا بحتًا”، فيما نفى المستشار ميرتس بشكل قاطع وجود نية للاعتراف الدبلوماسي بالحكومة الأفغانية.
ومع كل هذا، يبدو أن ألمانيا بقيادتها الجديدة بصدد صياغة سياسة هجرة أكثر تشددًا ستؤثر حتمًا على ميزان القوى داخل أوروبا، وعلى مصير آلاف المهاجرين العالقين على تخوم “القارة الحصينة”.
ما جرى في قمة تسوغشبيتسه ليس حدثًا معزولًا، بل يشكل علامة فارقة في تشكل محور أوروبي جديد تقوده ألمانيا ضد الهجرة، وهو توجه ستكون له انعكاسات مباشرة على الضفة الجنوبية للمتوسط، وخصوصًا المغرب، الذي سيجد نفسه في قلب معادلة جديدة للهجرة، قائمة على الردع، والقيود، والشروط السياسية.
18/07/2025