في واحدة من العمليات الأمنية العابرة للحدود، تمكّنت السلطات الإسبانية من توقيف مواطن مغربي في مليلية المحتلة، استجابة لإشعار دولي أصدرته السلطات القضائية المغربية عبر “الإنتربول”، ما يعكس تزايد قدرة الرباط على ملاحقة المطلوبين للعدالة خارج حدودها، وتفعيل آليات التعاون الدولي خدمة لسيادتها القضائية.
العملية جرت في عرض البحر، على متن باخرة تربط بين ميناء مالقة ومليلية، حيث رصدت فرقة “الشرطة في وسائل النقل” الإسبانية، في إطار تفتيش روتيني، مسافرًا مغربيًا يُظهر سلوكًا مراوغًا ومُتحفظًا تجاه أعوان الأمن. وبتحقيق هويته، تأكد أنه موضوع نشرة حمراء صادرة عن المغرب منذ 3 يوليوز الجاري، تقضي باعتقاله وتسليمه.
وبموجب الاتفاقيات الدولية التي تجمع مدريد والرباط، جرى اعتقال المعني بالأمر، ووُضع تحت الحراسة بمقر الشرطة الإسبانية بمليلية المحتلة، في انتظار مثوله أمام القضاء الإسباني المختص للبت في طلب التسليم المغربي.
هذا التوقيف يتجاوز مجرد عملية أمنية روتينية، ليعكس تحوّلًا لافتًا في الممارسة السيادية المغربية، حيث لم يعد المغرب يكتفي بمتابعة المطلوبين داخل أراضيه، بل فعّل قنوات العدالة الدولية لملاحقتهم حتى في مناطق تحت الاحتلال الإسباني، كحالة مليلية.
ومن الواضح أن هذا التحرك القضائي المغربي، الذي لقي تجاوبًا من طرف مدريد، يعكس مستوىً متقدمًا من الثقة بين الجهازين الأمنيين والقضائيين للبلدين، رغم التوترات السياسية المستمرة بشأن قضايا السيادة الترابية.
تزامنت هذه العملية مع عملية “مرحبا” أو “عبور المضيق”، التي تشهد خلالها موانئ الجنوب الإسباني كثافة عالية لحركة الجالية المغربية المقيمة بأوروبا. هذا الظرف يستدعي استنفارًا أمنيًا كبيرًا، ليس فقط لمواجهة التهديدات الإرهابية أو الأنشطة الإجرامية العابرة للحدود، بل أيضًا لضمان تنفيذ مذكرات التوقيف الدولية.
في هذا السياق، لا يُستبعد أن تكون قاعدة البيانات الأمنية قد خضعت لتعزيزات خاصة، تُمكّن من تتبّع الأفراد المطلوبين خلال تنقلاتهم الموسمية، خاصة في مسارات الهجرة المؤقتة نحو المغرب.
الفرقة الأمنية المنفذة للاعتقال، المعروفة بـ”الشرطة المتنقلة في وسائل النقل”، تُعد إحدى أقدم وحدات الشرطة الإسبانية، وتضطلع بأدوار محورية في تأمين محطات السفر البحرية والبرية، ومكافحة تهريب البشر والمخدرات.
وهي تُشكّل خط الدفاع الأول ضد الاختراقات الأمنية في موانئ الجنوب، لا سيما تلك المتصلة بالمدن المحتلة، التي تُستخدم أحيانًا كممرات للمطلوبين الفارين من العدالة.
رغم أن عملية التوقيف تمّت تحت السيادة القانونية الإسبانية، إلا أن فاعليتها انطلقت من طلب صادر عن الرباط، ما يُعدّ تجسيدًا للنفوذ القضائي المغربي حتى في المناطق الخاضعة للاحتلال. ومثل هذه التحركات تعزز موقع المغرب دوليًا كدولة قانون تُفعّل الآليات القانونية بعيدًا عن لغة التصعيد أو الشعارات الفارغة.
ويبقى الأهم أن مثل هذه الوقائع تطرح سؤالًا أكبر حول مستقبل التعاون الأمني بين المغرب وإسبانيا، ومدى إمكانية فصله عن الإشكالات السيادية التي لا تزال عالقة، خاصة في ملف سبتة ومليلية المحتلتين.
19/07/2025