kawalisrif@hotmail.com

القُصَّر المهاجرون بين الترحيل القسري والتجاذب السياسي: مدريد تلوّح بالأمن والنيابة العامة في وجه الأقاليم المتمردة

القُصَّر المهاجرون بين الترحيل القسري والتجاذب السياسي: مدريد تلوّح بالأمن والنيابة العامة في وجه الأقاليم المتمردة

في خطوة تُثير جدلًا قانونيًا وسياسيًا متصاعدًا، تستعد الحكومة الإسبانية للمصادقة، يوم الثلاثاء 22 يوليوز، على مرسوم تنفيذي جديد يكرّس إلزامية توزيع القُصَّر المهاجرين غير المصحوبين بين الأقاليم، حتى وإن رفضت هذه الأخيرة استقبالهم. وتوعدت الحكومة باستخدام أدوات الدولة، من نيابة عامة وقوات أمن، لفرض الخطة على الجهات الممتنعة، ما يُعدّ سابقة في تدبير ملف الهجرة القصّرية بإسبانيا.

يأتي هذا المرسوم في ظل وضع إنساني حرج بجزر الكناري، التي تحتضن أكثر من 5,500 قاصر، وصلوا إليها بمفردهم على متن قوارب الموت، في ظروف مأساوية تعكس فشل سياسات الهجرة الأوروبية، وانعدام أي حلول واقعية على الأرض.

المرسوم الجديد يفرض التزامًا قانونيًا على جميع الأقاليم الإسبانية باستقبال القُصَّر وفق معايير تشمل عدد السكان والدخل الفردي، تحت طائلة تدخل الأجهزة الأمنية والنيابة العامة. وفي حال امتناع إقليم ما عن الامتثال، سيكون بمقدور المرافقين المهنيين للقاصر طلب دعم الشرطة، التي ستُبلغ النيابة وتُسلّم الطفل للجهة المعنية.

هذا الإجراء، غير المسبوق، فُسّر من قبل عدة جهات سياسية باعتباره اعتداءً على مبدأ اللامركزية، الذي يُفترض أن يضمن للأقاليم حق تدبير شؤونها الاجتماعية. وقد سارعت عشر أقاليم، معظمها تحت حكم الحزب الشعبي، إلى تقديم طعون دستورية ضد الخطة، بدعوى أنها غير قانونية وتمس بصلاحياتها الحصرية.

ورغم هذه المعارضة، تؤكد وزارة الشباب والطفولة أن المرسوم يُجسّد روح التضامن الوطني، ويهدف إلى تخفيف الضغط على الأقاليم الأكثر تضررًا، مثل جزر الكناري وسبتة ومليلية المحتلتين، خاصة في ظل تزايد أعداد القاصرين الوافدين عبر طرق الهجرة السرية.

وفق جدول زمني صارم، تبدأ الحكومة التنفيذ الفعلي للمرسوم في 28 غشت، بعد تحديد السعة الاستيعابية لكل إقليم في 26 من الشهر ذاته، وإعلان حالة “طوارئ الهجرة” في المناطق التي تجاوزت ثلاث مرات قدراتها الطبيعية.

وتسعى مدريد إلى ترحيل ما يقارب 3,000 قاصر خلال عام واحد، في عملية تدريجية، مع التأكيد على أن الأطفال لن يُنقلوا “بالجملة”، بل حسب قدرات الاستيعاب والبنية التحتية لكل إقليم.

في الحالات القصوى، تُفرض عمليات النقل في غضون 15 يومًا من تسجيل القاصر في السجل الوطني، وهو ما يُعدّ آلية ضغط واضحة على الأقاليم التي تبدي ترددًا أو رفضًا.

من زاوية مغربية، يُطرح سؤال عميق حول الجذور الحقيقية لهذه الأزمة: لماذا يُترك الآلاف من القُصَّر المغاربة لمواجهة المجهول في بلدان غريبة؟ ألا يُفترض أن يُحمى هؤلاء الأطفال من قبل الدولة التي أنجبتهم، بدل أن يصبحوا أوراق ضغط في صراعات السياسات الداخلية لإسبانيا؟

المغرب، رغم ما يبذله من جهود أمنية وتنموية ضخمة، يجد نفسه أمام معضلة مزدوجة: من جهة ضغوط أوروبية متزايدة لإعادة المهاجرين، ومن جهة أخرى ضعف شبكات الحماية الاجتماعية التي تدفع فئات من الأسر إلى التواطؤ، أو العجز، أمام دفع أطفالها نحو البحر.

ورغم الانتقادات الإسبانية المتكررة للمغرب، إلا أن الواقع يشهد أن المملكة تضطلع بمسؤولياتها الأمنية بكل جدية، حيث تُراقب الحدود وتنسق يوميًا مع إسبانيا في عمليات الترحيل، بل وتتولى رعاية العديد من هؤلاء القُصَّر عند إعادتهم، رغم محدودية الموارد وضغوط الرأي العام.

لكن المثير للسخرية هو أن بعض الأقاليم الإسبانية التي ترفض استقبال القُصَّر، وتتهم المغرب بـ”عدم التعاون”، تتنصّل بدورها من المسؤولية، بل وتشيح بوجهها عن هذه الكارثة الإنسانية، معتبرة الأطفال المهاجرين مجرد “عبء مالي”، بدل أن تنظر إليهم كضحايا.

ما يحدث اليوم في إسبانيا هو ترجمة فجّة لتحوّل ملف الهجرة من قضية إنسانية إلى حلبة لتصفية الحسابات الحزبية، حيث يُصبح الطفل المهاجر، بكل هشاشته، مادة للتجاذب بدل أن يكون موضع حماية.

وبين حكومة مركزية تتشبث بفرض القانون، وأقاليم تتذرع بالحصانة الدستورية، تضيع الحقيقة البسيطة: أن هناك آلاف الأطفال الذين ينامون في مراكز مؤقتة، محرومين من دفء الأسرة، وأبسط شروط الكرامة.

وفيما تتحدث مدريد عن آليات النقل، والدعم المالي، وخطط الأمن، يبقى السؤال الحقيقي معلقًا: من يُعيد لهؤلاء الأطفال إنسانيتهم؟ ومن يمنع عنهم لعبة الطرد الجماعي المقنّن، حيث تصبح الهشاشة ذريعة، والقرار الأمني هو الكلمة الأخيرة؟

20/07/2025

Related Posts