kawalisrif@hotmail.com

العطش يغزو مليلية … ومحطة تحلية المياه تتوقف مجددًا والصمت الرسمي يغرق الساكنة

العطش يغزو مليلية … ومحطة تحلية المياه تتوقف مجددًا والصمت الرسمي يغرق الساكنة

لم يجد المسؤولون في الثغر المحتل مليلية من بدٍّ سوى إعلان توقيف محطة تحلية مياه البحر (IDAM) مجددًا، ابتداءً من صباح الاثنين، بدعوى «إصلاح» العطب الذي أصاب اللوحة الكهربائية ذات الجهد العالي (6000 ڤولت)، في مسلسل أعطال لا يكاد ينتهي منذ انتقلت إدارة المحطة من يدٍ إلى يد، ليظل سكان المدينة رهائن انقطاعات المياه المتكررة تحت مسمّى «الأشغال الضرورية».

وبحسب إعلان سلطات المدينة، فإن المحطة ستتوقف «للوقت اللازم والضروري» — عبارة مطاطة تعني عمليًا أن الصنابير قد تبقى جافة لأيام، تمامًا كما حدث في يونيو الماضي حين تسببت اهتزازات كهربائية في شلل تام للمحطة وللآبار المساندة، تاركة ثلاثة خطوط إنتاج مائية خارج الخدمة ثلاثة أيام متتالية دون بدائل حقيقية.

اللافت أن مسلسل الانقطاعات لم يتوقف رغم مرور أكثر من عام على تسلُّم المدينة للمحطة من طرف «الكونفدرالية الهيدروغرافية للوادي الكبير»، التي حمّلتها مليلية مسؤولية «الوضع الكارثي» للمحطة. لكن بين الأعطال والشكاوى والبيانات المتناقضة، لا يجد المواطن سوى قطرات ماء لا تكفي، وبرنامج توقيت مائي يتحول يوميًا إلى مفاجأة غير سارة: قطعٌ مبرمج في منتصف الليل يتحوّل فعليًا إلى انقطاع قبل العاشرة مساءً!

وبينما تكتفي مليلية بالتبرير والاعتذار، تتابع الرباط هذا المشهد بكل تفاصيله. فما يُقدَّم كأزمة «تقنية» في الإعلام المحلي الإسباني يكشف في العمق عن خلل أكبر في نموذج التدبير المفروض على الثغر السليب: إدارة مُرهَقة، وبنية تحتية مهترئة، وتمويل مركزي يشبه صدقات موسمية تُسكِت الأصوات ولا تضمن قطرة ماء نظيفة.

وفي ظل التحديات المائية التي تواجهها الضفة الجنوبية للمتوسط، يطرح هذا الفشل المزمن أسئلة مشروعة: كيف لمدينة محتلة، قابعة فوق شاطئ المتوسط، أن تعجز عن تحلية ما يكفي من الماء لشرب بضع عشرات الآلاف؟ وكيف يمكن أن يدّعي بعضهم «الحداثة الأوروبية» بينما تُقطع صنابيره كل مساء قبل أن يغفو؟

إنّ مليلية اليوم مثال صارخ على تآكل نموذج استعماري يلمّع وجهه بواجهات زجاجية وأسواق معفاة، لكنه يتهاوى كلما تعطلت شاحنة تموين أو احترق كابل كهرباء. أما في الرباط، فالمعادلة واضحة: التنمية تبدأ من الأرض الأم، لا من إدارة دخيلة تسقي العطش ببيانات صحفية مملة!

وتجدر الإشارة هنا — في مشهد لم يعد خافيًا — إلى أنّ لجنة تحرير سبتة ومليلية، في خطوة رمزية لإحياء الحق المغربي، سبق لها منذ أكثر من عقد أن كسرت الأبواب والأغلال واقتحمت وكشفت منابع المياه العذبة المغربية الأصل (والمسجّلة كعقارات إسبانية) بمنطقة طرارة بجماعة بني شيكر، وإياسينن بفرخانة الحدودية، إضافة إلى منبع ثالث، في رسالة صريحة تقطع شرايين المياه عن الثغر السليب الذي اعتاد منذ زمن الحماية أن يمدد أنابيبه العميقة داخل الأراضي المغربية مقابل حفنة من العملة الإسبانية «البسيطة» وتحت الإكراه.

واليوم، وقد صار أهل مليلية يتزاحمون على حنفيات عمومية ورثوها من عهد الجنرال فرانكو، بينما مياههم الجوفية وتحليتهم «المتطورة» بالكاد تكفي حاجيات الحمامات والمطابخ، يبقى القليل للشرب، في انتظار قنينة ماء معدنية تُباع بثمن مضاعف… ومن يدري؟ ربما يُمنح لهم في الغد كوب ماء معبّأ في زجاجة إسبانية أنيقة كهدية «حضارية» من إدارة لا تعرف سوى كيف تجفف منابعها… وتدفع ثمن فشلها ببطءٍ وعطشٍ يشبه اعترافًا صامتًا بأن الأرض لأهلها، والماء لهم، وما تحتها وفوقها حقٌّ عائدٌ مهما طال الأمد!

20/07/2025

Related Posts