kawalisrif@hotmail.com

بين الشرق والمغرب: دلالات عبور حاملات الأسلحة النووية “جيرالد ر. فورد” لمضيق جبل طارق وأثرها الإقليمي

بين الشرق والمغرب: دلالات عبور حاملات الأسلحة النووية “جيرالد ر. فورد” لمضيق جبل طارق وأثرها الإقليمي

في خطوة تعكس الأهمية الاستراتيجية الحيوية لمضيق جبل طارق، عبرت حاملة الطائرات النووية الأمريكية “يو إس إس جيرالدر. فورد” (CVN-78)، الأكبر والأكثر تقدماً في العالم، هذا الممر البحري الحساس متجهة نحو شرق البحر الأبيض المتوسط، حيث تتصاعد التوترات بين إسرائيل وإيران في نزاع يهدد استقرار المنطقة بأسرها.

لا يقتصر الأمر بالنسبة للمغرب والمنطقة المغاربية على كونه حدثاً عابراً، بل يشكل مؤشراً بارزاً على تصاعد النفوذ العسكري الأمريكي في مناطق جغرافية قريبة، تشمل السواحل المغربية والمحيط الأطلسي، مما يضع مضيق جبل طارق تحت مجهر مراقبة دقيق في ظل توترات إقليمية متزايدة، وتوازنات قوى متشابكة.

انطلقت “جيرالد ر. فورد” من القاعدة البحرية في نورفولك بولاية فيرجينيا في مهمة تعكس اهتمام الولايات المتحدة بتعزيز أمنها القومي داخل نطاق قيادة القوات الأمريكية في أوروبا، مصحوبة بحوالي 4500 بحار، بالإضافة إلى سرب من المدمّرات والطائرات القتالية. هذا الانتشار العسكري يعكس بوضوح الأهمية التي توليها واشنطن للمنطقة ضمن ديناميات جيوسياسية متقلبة.

في الوقت الذي تتسم فيه تصريحات البحرية الأمريكية بالتحفظ بشأن الهدف النهائي للسفينة، أكد قائد المجموعة الهجومية أن التوجه الأول هو نحو “مسرح العمليات الأوروبي”، مما يفتح الباب أمام تأملات أعمق في الدور الاستراتيجي الذي يلعبه مضيق جبل طارق، ليس فقط كمدخل إلى البحر الأبيض المتوسط، بل كبوابة أساسية للحفاظ على توازن القوى بين الأطراف الدولية والإقليمية المتصارعة.

يمثل وجود “جيرالد ر. فورد” إلى جانب مدمّرات فئة “آرلي بيرك” وسفن حربية أخرى قوة بحرية هائلة تسعى لفرض هيمنة أمريكية واضحة على طرق الملاحة البحرية الحيوية. تجدر الإشارة إلى أن حاملة الطائرات هذه سبق وأن لعبت أدواراً مركزية في نزاعات دولية مثل الحرب الروسية-الأوكرانية، وكذلك في التصعيد الأخير في الشرق الأوسط، ما يزيد من تعقيد المشهد الإقليمي ويضاعف من حساسية الموقف بالنسبة للدول المجاورة.

على الصعيد المغربي، يثير تزايد الوجود العسكري الأمريكي في مضيق جبل طارق والمحيط الأطلسي، إلى جانب بروز دور واشنطن كلاعب رئيسي في أزمات الشرق الأوسط، تداعيات مباشرة على السيادة الأمنية والاقتصادية للمغرب، لاسيما وأن المضيق يشكل منفذاً بحرياً استراتيجياً يربط المغرب بأوروبا وبقية الأسواق العالمية.

في هذا السياق، يبقى المغرب في موقع المراقب الحذر، مطالباً بالموازنة الدقيقة بين علاقاته المتنوعة مع القوى العالمية المختلفة، وبين ضرورة الحفاظ على استقراره الإقليمي وأمن حدوده البحرية، ضمن رؤية وطنية واضحة تعلي من قيمة السلام والأمن كركيزتين أساسيتين للتنمية.

لا يمكن النظر إلى عبور “يو إس إس جيرالد ر. فورد” كمجرد تحرك عسكري فحسب، بل كإشارة قوية إلى إعادة رسم موازين القوى الدولية في منطقة المتوسط والشرق الأوسط، ودعوة حثيثة للمغرب والمنطقة لتكثيف اليقظة الدبلوماسية والاستراتيجية، والعمل بروح الفاعلية والمسؤولية لمواجهة المتغيرات المتسارعة.

وفي هذا الإطار، يظل المغرب لاعباً محورياً لا غنى عنه في معادلات القوة الإقليمية والدولية، بفضل موقعه الاستراتيجي عند ملتقى الطرق بين إفريقيا وأوروبا، وكمحور رئيسي على مضيق جبل طارق. هذا الموقع الفريد يمنح المغرب فرصة لعب دور الوسيط والحافظ لاستقرار المنطقة، ويعزز مكانته كقوة استثمارية وسياسية فاعلة تسهم في إدارة الأزمات الإقليمية والدولية.

علاوة على ذلك، يستثمر المغرب علاقاته المتوازنة مع القوى العالمية المختلفة، من الولايات المتحدة وأوروبا إلى الدول الإفريقية والعربية، لتعزيز دوره كجسر يربط بين مصالح الأطراف المتصارعة، ويعمل على تيسير الحوار والتفاهم في محيطه الجيوسياسي المعقد.

ومع تصاعد هذه التحديات، يبرز الدور الحيوي للمغرب في تأمين حدوده البحرية وحماية مسارات الملاحة التجارية، مما يعزز من مكانته كشريك استراتيجي لا غنى عنه في حفظ الأمن البحري الإقليمي. وذلك ضمن رؤية وطنية واضحة توازن بين الانفتاح الاقتصادي والتزام الأمن الوطني، وتوجه دبلوماسي حكيم يدعو إلى الحوار وتجنب التصعيد.

في نهاية المطاف، يشكل عبور “يو إس إس جيرالد ر. فورد” عبر مضيق جبل طارق فرصة للمغرب لتعزيز مكانته الإقليمية والدولية، ليس كدولة تراقب فحسب، بل كفاعل نشط يسعى لإرساء الاستقرار والتنمية في محيطه عبر سياسات متوازنة وحوار بناء يحصن المنطقة من تداعيات الصراعات المتجددة.

20/07/2025

Related Posts