على أطراف الجنوب الشرقي المغربي، وعلى مسافة قصيرة من مدينة تينجداد بإقليم الرشيدية، تقف قصبة تاغيا في صمت مهيب، تحكي قصة زمن مضى وحضارة تتلاشى، وسط الإهمال والغياب الرسمي. كانت يوماً ما مركزاً حيوياً تعج بالحياة، تأوي العائلات وتحميهم من الأخطار، وتحتضن أفراح القبيلة وذكريات الطفولة. أما اليوم، فقد تحولت إلى أطلال موحشة، تتآكل حجراً بعد حجر، فيما تنقل الرياح غبار النسيان فوق جدرانها المنهكة.
منذ فيضانات سنة 1967 التي دمرت جزءاً كبيراً من بنيانها، عرفت القصبة موجة هجرة جماعية نحو مساكن عشوائية بنيت خارج أسوارها الطينية. هذه المعلمة المعمارية الفريدة، التي تختزل قروناً من التاريخ والتعايش، لم تلق أي التفاتة حقيقية من الجهات المسؤولة، رغم ما تمثله من قيمة حضارية وثقافية. إسماعيل دروك، رئيس جمعية أفلا للتنمية القروية والبيئة، انتقد استمرار تهميش القصبة، مشيراً إلى غياب مشاريع الترميم، بينما تستفيد قصبات أخرى قريبة من برامج التأهيل والحماية.
أصوات من داخل القرية، كصوت الشيخ محمد، تعكس حزناً عميقاً لما آلت إليه القصبة، حيث يعتبر أن ما يحدث لا يطال فقط مبنى طينياً، بل يمحو جزءاً من الذاكرة الجماعية وسردية المقاومة. واليوم، تُطلق نداءات متكررة من الساكنة والفاعلين الجمعويين لإنقاذ قصبة تاغيا من المصير المجهول، مطالبين بتدخل فوري يعيد الاعتبار لهذا المعلم، ويوقف زحف النسيان قبل أن تُهدم آخر حجرة، وتسقط معها ذاكرة الجنوب إلى الأبد.
20/07/2025