يُعتبر معبر باب مليلية في بني أنصار الرابط الحيوي بين مدينة مليلية المحتلة وإقليم الناظور، نقطة عبور يومية لآلاف المواطنين المغاربة والمقيمين في المدينة المحتلة على حد سواء. هذا المعبر، الذي يشهد إجراءات أمنية مشددة من كلا الجانبين، يعكس واقعًا مركبًا تجمعه توترات سياسية وأمنية بين المغرب وإسبانيا.
من منظور الإعلام الإسباني الرسمي، يُوصف معبر باب مليلية كنموذج لـ”التنسيق الأمني المنظم” بين مدريد والرباط، مع التركيز على دور Guardia Civil وPolicía Nacional في ضمان سلامة المدينة المحتلة وتأمين تدفق الأشخاص والبضائع عبر المعبر. وتسرد تلك التغطيات جهود سلطات الاحتلال في تقديم “تسهيلات للمسافرين”، مع الاعتراف بمحدودية الانتظار التي تحصل في بعض أوقات الذروة بسبب الكم الكبير لعبور المعبر.
إلا أن هذه الصورة المختزلة لا تعكس الواقع كاملاً، خاصة من وجهة نظر مغربية تعيش كل يوم تحديات عملية وسياسية كبيرة. فبينما تركز الصحافة الإسبانية على تفاصيل مثل وجود تكييف هواء في قاعات الانتظار وسلاسة الإجراءات، يُعاني المواطن المغربي من عراقيل يومية تمارسها سلطات الاحتلال، تعكس سياسة إقصاء ممنهجة ضد سكان الجوار، رغم العلاقات العميقة التي تربط المليلية بالمناطق المجاورة المغربية. المكيفات ليست سوى ستار يُخفي خلفه أبوابًا مُغلقة تُحول دون حرية التنقل، خصوصًا للذين لا يحملون أوراقاً تثبت وضعياتهم القانونية، أو يرفضون شروط الاحتلال.
أما الجانب المغربي، فيسعى جاهدًا لإدارة المعبر بحزم ومسؤولية في ظل إكراهات أمنية معقدة، حيث يُطبق الأمن الوطني ضوابط دقيقة على العبور، بما في ذلك تدقيق الوثائق وطرح أسئلة استيضاحية، خصوصًا للصحفيين والزوار الأجانب. هذه الإجراءات، رغم ما تسببه أحيانًا من طول في الانتظار، هي تعبير عن ممارسة سيادية وطنية بحتة، وضرورة لحماية الأمن والاستقرار في منطقة حدودية شديدة الحساسية.
ويعكس هذا التشديد الحرص المغربي على تنظيم تدفق الأشخاص، وحماية حدود البلاد من محاولات تسلل أو استغلال سياسي وإعلامي، في سياق يتسم بعدم الاستقرار الإقليمي وتنامي المخاطر العابرة للحدود.
عند تجاوز معبر باب مليلية والدخول إلى بني أنصار ثم الناظور، تتضح صورة مجتمع متنوع نابض بالحركة، يعاني من ضغوط اقتصادية واجتماعية جمة، لكنه في الوقت ذاته يعبر عن إرادة صلبة في الصمود والتكيف. في غياب بنى تحتية نقل عمومي فعالة، تتكثف حركة سيارات الأجرة كخيار أساسي للتنقل، مع بعض السلوكيات التي قد تبدو غريبة أو صاخبة للزائرين، لكنها تشكل جزءًا من نسق حياة محلي فريد.
ويبقى المعبر نقطة تماس سيادي مركزية في الصراع المفتوح بين سيادة وطنية مغربية يصر المغرب على ترسيخها، واحتلال إسباني يحاول تثبيت وجوده رغم رفض الأغلبية الساحقة في المغرب لهذا الوضع.
وإذا كانت وسائل الإعلام الإسبانية تسرد قصص “التسهيلات” و”تنسيق الأجهزة الأمنية”، فإن ذلك لا يعكس حقيقة التوترات السياسية والتعقيدات التي يعيشها المغاربة يوميًا عند هذا الحاجز. فالحديث عن “تنظيم العبور” لا ينبغي أن يخفي أن الملف السياسي لمدينة مليلية المحتلة يظل جرحًا مفتوحًا في جسد المغرب.
السؤال الذي يفرض نفسه على المهتمين والمتابعين: هل تكفي هذه الإجراءات الشكلية، من مكيفات وكميرات وفحص دقيق، لإخفاء عمق جرح الاحتلال الذي يطال سيادة وطن بأكمله؟ وهل يمكن أن تغطي هذه الصورة المزيفة على حق ملايين المغاربة في التنقل بحرية وكرامة داخل وطنهم؟
في ظل هذه الإكراهات الأمنية والسياسية والاقتصادية، يظل المغرب مضطرًا إلى اتخاذ مواقف متوازنة، تجمع بين الحزم في حماية حدوده وحقوق مواطنيه، وبين التزامه بتسهيل عبور الناس الذين تربطهم علاقات عائلية وإنسانية بالمدينة المحتلة، رغم كل العراقيل التي يفرضها الواقع.
معبر باب مليلية إذًا، هو أكثر من ممر؛ هو معقل سيادة وطنية، وأيضًا اختبار يومي لصبر شعب يتطلع إلى إنهاء ملف الاحتلال واستعادة حقوقه كاملة، دون تنازل عن كرامته أو مصالحه الوطنية.
20/07/2025