لطالما كان الفخر بتاريخ المغرب حاضراً في كل حديث عن أبطاله وسلاطينه وعلمائه الذين تركوا بصمات لا تُمحى في صفحات التاريخ، من الشريف الإدريسي إلى الحسن الوزان، مروراً برشيد اليزمي ومنصف السلاوي وأسماء أخرى من مغاربة العالم الذين أضاءوا سماء العلم والثقافة والإبداع في مختلف أصقاع الأرض. لكن هذا الفخر يتواجه اليوم مع واقع جديد يعيد رسم ملامح تجربة الجالية المغربية في المهجر، حيث تصاعدت مظاهر العنف والتمييز العنصري، كما جسّد ذلك حادث “توري باتشيكو” بإسبانيا، ما يستدعي وقفة جدية لإعادة التفكير في سردياتنا، بعيداً عن جلد الذات أو النقد المجاني، مع إدراك أن المواجهة تتجاوز حدود المغرب لتشمل صراعاً أيديولوجياً وسياسياً أوسع يشهده اليمين المتطرف في أوروبا.
في قلب هذا الصراع، تبرز الحاجة إلى صياغة سردية مغربية جديدة قوية ومتجددة، تبرز إنجازات الجالية وتمسكها بهويتها وتراثها، في مواجهة روايات اليمين المتطرف التي تسعى إلى تحجيم وجودها وتهميشها. كانت صرخة الوزيرة رشيدة ذاتي “أنا لست عاملة نظافة” بمثابة رمز لتلك المعركة التي يخوضها مغاربة العالم في ساحات السياسة والإعلام والثقافة، متحدين بذلك محاولات التقليل من مكانتهم، كما واجهت وزيرة سابقة أخرى، نجاة بلقاسم، حملة تشويه بسبب إنجازاتها المهنية. هذه الوقائع تؤكد أن مسيرة مغاربة العالم ليست مفروشة بالورود، بل هي صراع مستمر يتطلب تضافر جهود النخب والمؤثرين لصياغة خطاب يوازن بين الاعتراف بالنقد الذاتي والاحتفاء بالنجاحات.
لا يمكن بناء سردية متماسكة دون الاعتراف بالتقصير في توثيق وتكريم بطولات المغاربة الذين خدموا أوروبا وأسهَموا في تحريرها من الفاشية والنازية، من جنود المعارك الكبرى إلى رموز الثقافة والمعرفة، في مقابل استمرار بعض الأعمال التي تغذّي النوستالجيا وتغذي الصور النمطية السلبية التي يستغلها اليمين المتطرف لتعزيز مخاوفه. وفي هذا الإطار، تأتي أهمية إعادة الاعتبار لتلك المآثر عبر إنتاج فني وفكري جديد يكرم تاريخ المغاربة في أوروبا ويضعهم شركاء حقيقيين في بناء المواطنة، متجاوزين بذلك سرديات الماضي الضيقة نحو رؤية شاملة تحتفي بالتنوع وتدعو للتضامن في بلدان الإقامة، لتكون بذلك بداية عهد جديد ومشرق لمسار مغاربة العالم.
22/07/2025