في مشهد يعكس ارتباك الأوساط التجارية داخل مليلية المحتلة، دعت “جمعية تجار مليلية” الحكومة الإسبانية إلى الضغط على المغرب من أجل ما وصفوه بـ”المعاملة بالمثل” تجاريًا، وذلك بعد سنوات من التدهور الحاد الذي عرفته الأنشطة التجارية المرتبطة بالمعبر الحدودي “بني أنصار”.
وفي تصريحات لصحيفة محلية، أقر رئيس الجمعية، إنريكي ألكوبا، بأن قرار المغرب إغلاق الجمارك التجارية في سنة 2018 شكل “نقطة تحول” حاسمة قلبت موازين الاقتصاد المحلي في الثغر المحتل، معتبرًا أن التجار في مليلية لم يتعافوا بعد من تداعيات هذا القرار السيادي.
ورغم محاولات الإسبان تحميل المغرب مسؤولية ما آلت إليه أوضاعهم، فإن السياق الحقيقي يُظهر أن ما يسمى بـ”النموذج التجاري الحدودي”، الذي كانت تستفيد منه مليلية، قام لعقود على اقتصاد التهريب والامتيازات غير المتكافئة التي كانت تستنزف السوق الوطنية المغربية وتُضر بالاقتصاد المحلي في الناظور وبني أنصار والمناطق المجاورة.
وقال ألكوبا إن غياب “الرد بالمثل” من طرف المغرب في ما يتعلق بنظام عبور المسافرين، زاد من معاناة تجار المعابر، موضحًا أن منع الوافدين من المغرب من إدخال أي سلع إلى الداخل المغربي أثر بشكل مباشر على مبيعاتهم. وأضاف: “كان زبناء تلك المحلات يعبرون يوميًا لاقتناء البضائع والعودة بها بسياراتهم… اليوم، لا وجود لهؤلاء، وهذا أثر على المدينة بأكملها”.
وأقر المسؤول التجاري بأن المغرب فرض شروطه في إعادة فتح الحدود خلال سنة 2022، وأن إسبانيا لم تكن في موقع تفاوضي يسمح لها بإملاء شروط مضادة. بل اتهم وزير الخارجية الإسباني خوسيه مانويل ألباريس بالفشل، قائلاً: “إما أنه لا يعرف التفاوض، أو أن المغرب يتفوق على إسبانيا بشكل واضح في هذا الملف”.
وأشار إلى أن الرباط تفرض قيودًا مشروعة على مرور السلع لحماية سوقها الوطني، بينما تظل مليلية وقادش مفتوحتين أمام البضائع المغربية، في غياب ما يعتبره الإسبان “تكافؤًا”.
يأتي هذا الجدل في ظل استمرار معاناة المنطقة التجارية المحاذية لمعبر بني أنصار، والتي ازدهرت في السابق بفعل نشاط التهريب والمعاملات غير الخاضعة للمراقبة الجمركية الصارمة. لكن بعد إغلاق الجمارك التجارية في 2018، ثم الإغلاق الكامل للحدود خلال جائحة كورونا، تهاوى هذا النموذج الذي كان يدر أرباحًا طائلة على مليلية على حساب الاقتصاد المغربي.
ورغم إعادة فتح الحدود سنة 2022، إلا أن ذلك لم يكن كافيًا لإنعاش تجارة بنيت لعقود على “الفوضى المنظمة”، إذ أصبحت الإجراءات المغربية أكثر صرامة، فيما تراجع عدد الزبناء القادمين من المغرب، وتقلصت أعداد المسافرين في عملية “مرحبا” لعام 2025، وفق تقديرات الصحيفة الإسبانية.
وتحدث تجار ومقيمون في مليلية المحتلة عن “تخلي مدريد” عنهم، معتبرين أن مستقبل تجارتهم بات رهينًا بقرارات المغرب السيادية، لا سيما في ظل تحوّله التدريجي نحو إنهاء مظاهر الريع الحدودي وإعادة تنظيم العلاقة مع الثغور المحتلة.
ما تكشفه هذه المطالب الإسبانية هو أن مليلية المحتلة، التي ظلت تستفيد لعقود من موقعها الجغرافي على حساب الاقتصاد المغربي، لم تكن مستعدة لمرحلة المعاملة الندية. فحين قرر المغرب حماية حدوده، ووقف نزيف العملة والتهريب، انهار وهم “التكامل الاقتصادي الحدودي” الذي لم يكن في الواقع سوى تبعية تجارية غير متوازنة.
إنّ المغرب، بسيادته الكاملة على معابره، يؤسس لنموذج جديد في العلاقة مع الثغور المحتلة، يقوم على المصالح المشتركة وليس على الامتيازات التاريخية غير العادلة. أما مليلية، فستحتاج أكثر من مجرد دعوات للضغط على الرباط… ستحتاج إلى تغيير جذري في منطقها الاقتصادي والسياسي.
22/07/2025