في عرض مسرحي جديد من مسرحيات الحكم الإسباني الفاشل في مليلية المحتلة، خرج رئيس حكومة الاحتلال خوان خوسيه إمبروذا بتصريح “استشرافي” يعد فيه سكان المدينة بأن أزمة المياه التي تخنقهم منذ شهور ستكون من الماضي… ولكن بعد ثلاث سنوات كاملة من الصبر، والتحمل، والانحناء للعطش!
نعم، ثلاث سنوات! وكأننا بصدد مشروع نووي أو رحلة مأهولة إلى المريخ، لا مجرد توفير الماء الصالح للشرب في مدينة عزيزة على المغاربة، ملكًا وشعبًا، لا تتجاوز مساحتها حفنة كيلومترات مربعة، تتشبث مدريد بالبقاء فيها، رغم أن أنابيبها تشكو العطش قبل سكانها.
أمام محطة تحلية مياه عرجاء بالكاد تشتغل، ظهر إمبروذا في جولة إعلامية مرتجلة، مُلمّحًا إلى أن الحل يكمن في “السيطرة” على خزان أدلفاس. وكأن الاستعمار الإداري بين مؤسسات الدولة الإسبانية لم يعد يسمح حتى بتقاسم صهريج ماء بين إدارتين تابعتين لنفس البلد المحتل!
وفي مسرحية أخرى، انتقل رئيس حكومة الاحتلال من لعب دور “المنقذ المائي” إلى دور “المتقاضي الرسمي”، مهددًا بمقاضاة هيئة المياه الإسبانية بسبب ما سمّاه “العيوب الخفية”. يا للسخرية! حكومة محلية تحت الاحتلال تشتكي لحكومة مركزية في مدريد من نفسها… فيما يظل المواطن في مليلية يعصر الغيظ بانتظار كوب ماء بارد!
وعود ووعود: خط كهربائي جديد، وحدة تحلية ثانية، توسعة خزان، تدقيق تقني، تعبئة استثنائية… لكن الواقع يقول إن المدينة تعاني من انقطاعات متكررة، فيما باتت الصهاريج مشهدًا يوميًا في أحياء بأكملها.
ورغم كل ذلك، لا يفوّت إمبروذا فرصة لتقديم الشكر لـ”الفنيين الشجعان” الذين “يعملون في ظروف صعبة”، دون أن يعترف أن تلك الظروف هي نتيجة مباشرة لفساد إداري، وتراكم فشل بنيوي في شبكة متهالكة ترفض مدريد إصلاحها بجدّية، ما دامت المدينة مجرّد “ثغر محتل” تؤجَّل صيانته إلى ما بعد الانتخابات.
في النهاية، تبدو وعود إمبروذا مجرد “سراب انتخابي” يطفو فوق رمال التعطيل السياسي. أما سكان مليلية، فهم عالقون بين مطرقة الاحتلال الإداري وسندان العطش المزمن، في مدينة لا ماء فيها ولا كرامة خدماتية، تُدار بمنطق الاستنزاف لا التنمية، وبأسلوب استعمار قديم يُتقن التخدير أكثر مما يُحسن التسيير.
وهكذا، يتضح أن حكومة الاحتلال في مليلية المحتلة لا تعد السكان بالماء، بل تعدهم بمسلسل طويل من الاجتماعات، والتدقيقات، والدعاوى القضائية… ثم العطش من جديد!
فبين بيروقراطية مدريد العاجزة، ومسرحيات إمبروذا الهادفة إلى تلميع صورة محتل فقد السيطرة على أبسط مقومات التسيير، يجد آلاف المغاربة القاطنين بالثغر المحتل أنفسهم مرتهنين لصهاريج تنقل الماء، كما لو أنهم في خيام لجوء لا في مدينة أوروبية مزعومة.
ثلاث سنوات أخرى؟ لا بأس! فربما بحلول 2028 ستكون مليلية قد حصلت على شرف ملء حنفياتها… أو على الأقل، نُصُب تذكاري يخلّد آخر انقطاع مائي طويل الأمد!
أما إمبروذا، فلا بأس إن منحوه وسام “بطل السراب الإسباني”… فقد أبدع في تسويق الوهم بسلاسة، وتحويل العجز إلى شعارات، والعطش إلى “إنجاز مستقبلي”.