kawalisrif@hotmail.com

إسبانيا :   زكرياء بنجما … المغربي الكفيف الذي أبصر النور من ضفة الظلام

إسبانيا : زكرياء بنجما … المغربي الكفيف الذي أبصر النور من ضفة الظلام

في رصيف شارع “بلاس إنفانتي” المزدحم وسط مدينة الجزيرة الخضراء، يقف شاب مغربي في ريعان شبابه، يوزع تذاكر يانصيب منظمة المكفوفين (ONCE). لكن وراء ابتسامته الهادئة وعينيه التي لا ترى، تختبئ قصة أشبه بفيلم درامي حقيقي، رحلة عبور من ظلمات العجز إلى بريق الأمل، عبر أزقة الألم والتحدي، حيث لم يكن للحياة من مسار واضح، سوى الإصرار على المشي وسط العتمة.

ولد زكرياء في مدينة المضيق، شمال المغرب، كفيفًا منذ نعومة أظافره، في بيئة اجتماعية عرفت هشاشتها وتحدياتها، لكن دون أن تخمد في قلبه نور الحلم. كانت رحلته إلى إسبانيا في سن التاسعة عشرة، غامضة كظلال الليل، بلا لغة يواسيه، بلا يد تمتد له، إلا خالته التي كانت بمثابة النجمة التي اقتفى أثرها. دخل البلاد كمن يقف على حافة الهاوية، قفز في ظلمة مجهولة لا يعرف إلى أين تفضي، لكنه امتلك عزيمة جعلت الظلام ينحسر أمامها.

كانت البداية قاسية، كالضربة الأولى التي تصدم الروح. غربة اللغة، الوحدة وسط زحام المدينة، وصمت لا ينقطع. لكنه لم يستسلم، بل وجد في مؤسسة “كروث بلانكا” الضوء الذي يهديه. هناك، تحت سقف لا يقيه فقط من البرد، بل يحمي روحه من التيه، تعلم لغة النجاة ببطء وثبات، وبدأ ينسج شبكة علاقات تدفعه إلى الأمام. لم يكن متفرجًا على حياته، بل مترجمًا في حملات “عبور المضيق”، ومدرسًا للغة زملائه، وصانعًا لمستقبله بأصابعه التي لا ترى لكنها تحس.

ومع مرور الوقت، تحول زكرياء من مجرد بائع تذاكر إلى موظف رسمي في منظمة ONCE، وطالب قانون لا يكلّ ولا يملّ، حاملاً شهادة B1 في الإنجليزية، شهادة عبور جديدة تعكس جهده المضني. رغم أن التوفيق بين الدراسة والعمل يشكل تحديًا يوميًا، إلا أنه مصمم على المضي قدمًا، تارةً بثقة الشاب الطامح، وتارةً بحسّ الإصرار الذي لا يلين.

وظيفته لم تكن مجرد مصدر دخل، بل جسرًا يعبر به من ظل الهشاشة إلى نور الاستقلال، حيث يشعر بقيمة وجوده، ويأمل أن يكون قدوة، ليس في الأضواء، بل في صمت الإنجاز. لم يكن يبحث عن الشهرة، لكنه أصبح رمزًا حيًا يروي قصة الإرادة التي تتحدى الصعاب، وحكاية الحنان الذي يمنح فرصة لمن يملك العزم.

في شهادة جامعة لمؤسسة “كروث بلانكا”، تكمن الحقيقة في كلمات بسيطة: “حين يلتقي الدعم بالإرادة، يولد التغيير الحقيقي، وقصة زكرياء ليست مجرد فرد، بل مجتمع يتحسن به الإنسان.” قصته ليست استثناء، بل دعوة لكل من يعيش على هامش الحياة أن يحلم ويصنع النور من قلب الظلام. في الظل، أو في مركز الأحداث، يظل زكرياء تحت شمس الجزيرة الخضراء، مغربيًا أبصر الحياة بقلب لا يرى لكنه يشعر ويبدع.

يمثل زكرياء بنجما نموذجًا مشرقًا من بين مغاربة العالم ذوي الاحتياجات الخاصة، الذين رغم تحديات الإعاقة وظروف الغربة، يُثبتون أن الإرادة القوية والدعم الحقيقي قادران على تحويل الأحلام إلى واقع. قصته ليست فقط قصة نجاح شخصية، بل رسالة أمل لكل مغربي أو إنسان يواجه صعوبات، تؤكد أن العجز الحقيقي هو الاستسلام، وأن النور يولد من أعماق الظلام عندما يُرافقه الإصرار والعزيمة. فلنستلهم من زكرياء درس الصبر والعمل، ولنؤمن بأن كل خطوة، مهما كانت صغيرة، تقربنا من بناء مستقبل أفضل وأكثر إشراقًا للجميع. هو نموذج حي يحمل فخر الوطن، ويذكرنا جميعًا بأن الإنسان هو الثروة الحقيقية، وأن الفرص تمنح لمن يستحقها بالسعي والتحدي.

23/07/2025

Related Posts