لم تعد سبتة المحتلة مجرد نقطة عبور أو منطقة متوترة حدوديًا، بل تحوّلت إلى مسرح يومي لمشاهد مأساوية تسائل الضمير الإنساني، خاصة حين يُستغل القاصرون، من بين أحضان أسرهم، كأدوات في شبكات تهريب الحشيش. آخر هذه الفصول السوداء بطلته فتاة في ربيعها الرابع عشر، قادها والدها بنفسه إلى الجريمة، مقابل إغراء بسيط: هاتف “آيفون”.
القصة التي هزّت المدينة المحتلة حدثت يوم أمس الثلاثاء، عندما أوقفت عناصر الحرس المدني الإسباني الفتاة القاصر بميناء سبتة، وهي تحاول العبور نحو الجزيرة الخضراء رفقة والدتها، وعلى جسدها 3 كيلوغرامات من الحشيش مخفية بإحكام.
مجرد نظرة شك من رجال الأمن كانت كفيلة بالكشف عن المشهد الصادم: طفلة تُستغل كبغل لتهريب المخدرات، ملفوفة بالحشيش من الرأس حتى القدمين، في مشهد يكشف كيف تتحول براءة الطفولة إلى وسيلة نقل في يد أب عديم الضمير.
وفي المحكمة، كانت الصدمة أكبر: الفتاة اعترفت بأن والدها هو من أوعز لها بتنفيذ العملية، مقابل وعد مغرٍ باقتناء أحدث طراز من هاتف “آيفون”. لتتحرك النيابة العامة بسرعة وتُصدر مذكرة توقيف في حق الأب، الذي أُودع السجن في انتظار محاكمته، بينما أُفرج عن الأم مؤقتًا مع سحب جواز سفرها كإجراء احترازي.
أما الفتاة، ورغم صغر سنها، فقد أصبحت هي الأخرى في مواجهة القضاء بتهمة تتعلق بالإضرار بالصحة العامة، في وقت تتحمّل فيه سلطات الاحتلال في سبتة جزءًا من المسؤولية بسبب تقاعسها في حماية القاصرين من براثن التهريب.
تشهد المدينة المحتلة مؤخرًا تصاعدًا مقلقًا في ظاهرة استغلال القاصرين، خصوصًا الفتيات، كأدوات في عمليات تهريب الحشيش نحو الضفة الأخرى. هؤلاء القُصَّر غالبًا ما يُستدرجون عبر الإغراءات: من المال إلى الهواتف، في ظل غياب أي حماية حقيقية من مؤسسات يُفترض أنها معنية بحقوق الطفل.
وبحسب معطيات الحرس المدني الإسباني، فقد تم تهريب أزيد من 50 كيلوغرامًا من الحشيش بهذه الطريقة خلال الشهور الأخيرة فقط، ضمن ما مجموعه ثلاث أطنان حُجزت في ميناء سبتة. المهربون أصبحوا أكثر دهاءً: يوزعون الكميات الصغيرة على “الحمّالين الصغار” لتفادي العقوبات القضائية المشددة.
ولعل الأدهى والأكثر فظاعة هو التهريب الذي يتم داخل الأجساد البشرية. “البغال الداخلية”، كما يُطلق عليهم، يُجبرون على ابتلاع كبسولات الحشيش في ظروف صحية كارثية، ثم يُحبسون في ما يُعرف بـ”منازل الحضانة” في انتظار إخراج الكبسولات بطريقة طبيعية.
وقد حجزت سلطات الاحتلال خلال هذا العام فقط أكثر من 20 كيلوغرامًا من الحشيش نُقلت بهذه الطريقة، وسط ارتفاع أعداد الضحايا الذين يُنقلون كالسجناء المؤقتين داخل أجسادهم، في واحدة من أبشع صور الاتجار بالبشر.
ليست الجريمة في سبتة مجرد مسألة أمنية أو جنائية، بل باتت تعبيرًا صارخًا عن فشل منظومة الاحتلال في حماية ساكنتها، وخاصة الأطفال. فحين يتحول هاتف “آيفون” إلى مدخل للعار، وحين يتحوّل أب إلى سمسار لمستقبل ابنته، ندرك أننا أمام مجتمع تنهشه العصابات والفساد، في ظل سلطة شكلية تلبس زي الدولة ولا تحمي سوى حدود وهمية.
في سبتة المحتلة… الحشيش يمرّ، والطفولة تُباع، والضمائر تُشترى بثمن بخس. والسؤال الذي لا يطرحه القضاء الإسباني هو: من يُحاسب الاحتلال على تربية أجيال تُستعبد في صمت؟
23/07/2025