kawalisrif@hotmail.com

جبل طارق المحتل… “المفتاح البريطاني” لاختراق مشاريع الدفاع الأوروبي

جبل طارق المحتل… “المفتاح البريطاني” لاختراق مشاريع الدفاع الأوروبي

في خضم تصاعد التوترات الجيوسياسية بين الغرب وروسيا، وتنامي الحديث عن الاستقلال الاستراتيجي الأوروبي في مجالات الأمن والدفاع، يبدو أن بريطانيا وجدت في مستعمرتها القديمة جبل طارق المحتل ورقة رابحة لفتح أبواب أوروبا المغلقة أمامها، بعد خروجها المثير للجدل من الاتحاد الأوروبي.

الاتفاق السياسي الأخير بين لندن وبروكسيل، وإن لم يُعلن عنه رسميًا بعد، يُوصف من قبل مراكز بحث بريطانية بأنه “الصفقة الكبرى” التي ستمنح بريطانيا منفذًا إلى مشاريع الدفاع الأوروبي، والتي تصل ميزانيتها إلى 150 مليار يورو، مقابل ما يُشبه “الاعتراف الأوروبي” بترتيبات خاصة في مستعمرة جبل طارق.

تشير تقارير صادرة عن مركز “UK in a Changing Europe” إلى أن لندن، مقابل ولوجها المرتقب إلى برامج مثل SAFE وPESCO الأوروبية، قبلت بتقارب تنظيمي مع الاتحاد الأوروبي في 21 مجالًا على الأقل، وهو ما يعتبره مراقبون تراجعًا فعليًا عن روح “البريكست”، وتوجهًا جديدًا نحو ما يمكن تسميته بـ”بريكست دفاعي انتقائي”.

لكن المثير في كل ذلك، هو أن بريطانيا، رغم تمسّكها العلني بسيادتها على جبل طارق، قبلت ضمنيًا بتقديم تنازلات سيادية على الأرض، بعد أن وافقت – بحسب التقرير – على صيغة مراقبة مزدوجة في مطار وميناء المستعمرة، ما يفتح الباب أمام دمج فعلي لها في فضاء شنغن، ولو تحت مسمى “غير رسمي”.

إسبانيا، التي طالما استخدمت ورقة جبل طارق لعرقلة أي تقارب دفاعي أوروبي مع بريطانيا، تُتهم اليوم ببيع هذا الموقف السيادي، مقابل تنازلات بريطانية في ملفات أخرى كالصيد البحري وبرامج التبادل الشبابي، بل إن التقرير البحثي يلمّح إلى أن مدريد استثمرت الملف كأداة ابتزاز لفتح أبواب التمويل الدفاعي الأوروبي أمام لندن.

والسؤال الذي يفرض نفسه في الرباط: هل كانت مدريد ستقبل بهكذا تسويات لو تعلّق الأمر بسبتة أو مليلية؟ أم أن “البراغماتية السيادية” الإسبانية لا تطبّق إلا عندما لا تكون المصالح الوطنية المباشرة مهددة؟

ما يثير الاستغراب هو موقف بروكسيل نفسها. فإذا كانت تدعو إلى احترام السيادة ووحدة الأراضي، فكيف تُقحم مستعمرة ترزح تحت الاحتلال البريطاني في ترتيبات أمنية استراتيجية للقارة الأوروبية؟ بل كيف تُدمج في فضاء شنغن دون حسم وضعها القانوني، في وقت يُفرض فيه التأشيرة على أبناء المغرب لزيارة سبتة أو مليلية المحتلتين، رغم قربهما الجغرافي وتداخلهما السكاني مع الداخل المغربي؟

في الوقت الذي يَعتبر فيه الأوروبيون “الاستقلال الاستراتيجي” هدفًا مشروعًا، يُستخدم جبل طارق كعملة مقايضة سياسية واقتصادية، وكأن السيادة أصبحت بندًا تفاوضيًا قابلًا للتأجيل والتجميل، وليس مبدأً أساسيًا في العلاقات الدولية.

وبينما يواصل المغرب المطالبة باسترجاع سبتة ومليلية المحتلتين في إطار الحق التاريخي والجغرافي، تُفتح اليوم أبواب الدفاع الأوروبي أمام قوة استعمارية سابقة عبر مستعمرة لا تزال تمثّل وصمة استعمارية في خاصرة أوروبا الجنوبية.

الاتفاق الأوروبي البريطاني حول جبل طارق، إذا ما تُوّج باتفاق دولي، فسيكون سابقة خطيرة في شرعنة الوجود الاستعماري بمنطق “الصفقة” لا “العدالة الدولية”. أوروبا التي ترفع شعار حقوق الإنسان، تُطوّع مبادئها حين تكون المصالح فوق المبادئ، والسيادة تُقايض بصفقات دفاعية وموازنات عسكرية.

أما المغرب، فسيستمر في طرح سؤال سيادي أخلاقي: هل الاحتلال يُدان أم يُكافأ؟ وإذا كان جبل طارق “مفتاحًا” لبريطانيا نحو أوروبا، فلتعلم بروكسيل أن سبتة ومليلية ستظلان “مفاتيح مغربية” لفضح ازدواجية المعايير الأوروبية، وكشف نفاق خطابها حين يتعلّق الأمر بالسيادة المغربية.

وفي النهاية… يبدو أن أوروبا الحديثة لا تحرجها خرائط الماضي، ما دام المحتل “شريكًا استراتيجيًا”، والمستعمَر مجرد جارٍ يجب عليه طلب التأشيرة حتى لزيارة تاريخه.

24/07/2025

Related Posts