“مليلية المحتلة تتحول إلى مسرح عبثي لجمهورية “اللايف”… وسماسرة الانفصال يرقصون على أنغام الجنرالات ونفط سوناطراك!”
في ركن بئيس من الجغرافيا السياسية بالثغر المحتل ، حيث يختلط دخان الغاز الجزائري برطوبة الحانات المحلية ، خرجت كوميديا جديدة من كواليس جنرالات المرادية : إعلان نوايا لتأسيس فرع لما يُسمى بـ”الحزب الوطني للريف” في مليلية المحتلة، في مشهد تهلّل له الصحافة المحلية بالثغر المحتل، وتروج له أبواق اليمين الإسباني المتطرف. مبادرة هزيلة تتدثر بشعارات حقوقية مستهلكة، لكنها لا تخفي حقيقتها كدمية انفصالية كُتبت نصوصها في أوروبا، ومُوّلت بأنابيب سوناطراك، وأخرجها جنرالات مرتبكون على وقع الهزائم.
إنها نسخة شمالية مرتجلة من مسرحية “الجمهورية الصحراوية”، هذه المرة بديكور ريفي مغشوش، وأبطالها أبواق مأجورة من إعلام معادٍ للوحدة الوطنية، وسماسرة سياسيون من الحزب الشعبي الإسباني، و”مناضل حقوقي” باهت يُدعى علي أعراس، المزداد بمليلية السليبة، يعود من الظل عبر صفقات مشبوهة لم يقتنع بها حتى أقاربه. مؤامرة تُطبخ في كواليس الحانات، وتُسوّق عبر لايفات الفيسبوك، لا عبر شرعية الأرض والتاريخ.
والمفارقة الكاريكاتورية أن من يزعم تمثيل الريف، يختار مدينة مغربية محتلة كمنصة لمشروعه الانفصالي، دون أن يجرؤ على ذكر الاحتلال. أهو جهل بالتاريخ؟ أم انتقائية خبيثة؟ أم أن الرسالة باتت أوضح: لا تحرير… بل تفتيت مدفوع الأجر! فبعد فشلهم في الصحراء، اختار الجنرالات اللعب في حلبة اللايفات، حيث لا رصاص ولا خرائط، فقط ميكروفون وهذيان.
صنعوا ما يُشبه حزبًا ورقيًا، روّجت له صفحات مغمورة، واحتفى به فرع الحزب الشعبي في مليلية كما يصفق المهرجون لحكايات العدم. حزبٌ كان يومًا ما يمثل اليمين الحاكم في مدريد، صار اليوم واجهة مهترئة تسوّق لبروباغندا الجزائر على تراب مغربي محتل، في مشهد عبثي يليق بسوق السياسة الرخيصة.
في المقابل، ينبض الداخل المغربي بوعي سيادي صلب. من بني أنصار، انطلقت شرارة “تنسيقية تحرير سبتة ومليلية والجزر المحتلة”، مبادرة وطنية لا تصرخ في اللايفات، بل تُراكم الوعي والعمل، وتستمد شرعيتها من التاريخ لا من “استوديوهات بلجيكا”. جعلت مدريد تصاب بأزمة مزمنة في أسفلها السياسي، وشعرت بشيء من الغثيان التاريخي. وها هي تختبئ خلف الحزب الشعبي ومفوضياته لتدفن رأسها في الرمال.
ومن قلب مليلية المحتلة، ظهر وجه آخر: يوسف قدور، ابن المدينة وابن الوطن، الذي رُفضت منحة رياضية له من حكومة الاحتلال بعد أن صال وجال في بقاع العالم وصعد منصات التتويج لأنه “مورو”، لكنه اليوم جالس بجانب الرياضي الأول، جلالة الملك محمد السادس، دون ترجمة، بل بلغة الإشارة… وكانت الرسالة أبلغ من كل بيانات “جمهورية اللايف”.
وحتى إن استعصى الأمر على عديم البصيرة، فليلجأ إلى لغة “البراي” الخاصة بالمكفوفين وضعاف البصر! فالملك لا يحتاج إلى “لايف”، بل يبعث الإشارة من القلب إلى القلب. رسالة تختزل السيادة وتفحم كل من يتاجر بأحلام الريف أو يوزّع الأوهام من غرف أوروبا. ومن لم يفهم رمزية الصورة، فليراجع أبجديات “تيفيناغ”… علّه يُبصر ما أعمته الكراهية.
أما مليلية، المدينة المغربية العالقة في قبضة استعمار أوروبي بائد، فليست مسرحًا للانفصال، بل جرحًا وطنيًا مفتوحًا. وأي محاولة لتحويلها إلى منصة للتآمر على الوحدة الترابية، هي استفزاز سافر لن يُقابل بالصمت. من يدّعي “استقلال الريف” من مليلية لا يملك حتى الجرأة للحديث عن تحريرها. إنه انقلاب على التاريخ والجغرافيا، وبيع مكشوف للقضية في سوق النكاية السياسية.
وحتى لا تفوتنا نكهة السخرية، علّق أحد الظرفاء قائلًا: “بانتظار التشكيلة الرسمية لجمهورية اللايف، من مليلية إلى سبتة… هل سيتم اختيار لاعبيها من الحانات أم من تعليقات فيسبوك؟ وهل مدربها سيأتي من وداد بوفاريك؟”
سخرية لها ما يبررها، فالمغاربة القاطنون بمليلية لم ينخرط أحد منهم في هذا “الفريق السياسي”، الذي سيتلقى أول أهداف الهزيمة من أول تمريرة، لأنه ببساطة… لا يملك حتى ملعبًا شرعيًا للّعب!
ولن نختم دون أن نضحك مع الحزب الشعبي الإسباني، الذي يحتاج – على ما يبدو – إلى دورة استعجالية في الجغرافيا السياسية، ليدرك أنه يروّج لانفصال فوق أرض ليست له أصلاً. أما “جمهورية اللايف”، فلتبث كما تشاء، فالمغرب ليس بثًّا مباشرًا، بل تاريخ حي… ليس فنجان قهوة في بروكسيل، بل شجرة جذورها في السعيدية، وأغصانها في طنجة، وثمارها في الكويرة.
— أحمد الهادي :
24/07/2025