في الذكرى السنوية لما يُعرف في الرواية الإسبانية بـ”نجدة مليلية”، نظّم المركز العسكري للتاريخ والثقافة بسبتة المحتلة نشاطًا احتفاليًا استحضر فيه وصول أولى التعزيزات العسكرية الإسبانية إلى مليلية يوم 24 يوليوز 1921، بعد الهزيمة الساحقة التي تكبدها الجيش الإسباني في معركة أنوال على يد المقاومة المغربية بقيادة الزعيم محمد بن عبد الكريم الخطابي.
وفقًا لما أورده المتحدث باسم المركز العسكري، الكولونيل أمديو فلوريس، فإن انهيار الجبهة الإسبانية في أنوال خلق فراغًا أمنيًا خطيرًا في مليلية، التي أصبحت مهددة بالسقوط بين أيدي المجاهدين. فبينما كانت أخبار الكارثة تتوالى من منطقة الريف، سادت أجواء من الذعر والفوضى داخل المدينة المحتلة، في انتظار أي تدخل ينقذها من مصير مشابه لأنوال.
بعد يومين فقط من الهزيمة، حلّت أول وحدة عسكرية بميناء مليلية: كتيبة من فوج المشاة “لا كورونا”، مكوّنة من مجندين شباب قليلي الخبرة، أطلق عليهم الإسبان لاحقًا لقب “Niños de la Corona”، أو “أطفال التاج”. لم تكن هذه الوحدة سوى بداية سلسلة من التعزيزات القادمة من مختلف الجهات، أبرزها وحدات من “الترسو” و”الريغولاريس” التي وصلت من سبتة، واعتُبرت دعامة أساسية في إعادة الروح إلى المدينة المنهارة.
في مفارقة تاريخية مثيرة، يعترف السرد الإسباني بالدور المحوري الذي لعبته قبيلة بني شيكر بقيادة القائد عبد القادر الطيب، التي اختارت الاصطفاف إلى جانب الإسبان في لحظة حرجة، فساهمت في صدّ تقدم قوات المقاومة الريفية، ومنحت الجيش الإسباني الوقت الكافي لإعادة ترتيب صفوفه.
ورغم أنهم لم يخوضوا معارك من قبل، تمكن “أطفال التاج” من إثبات جدارتهم القتالية لاحقًا، بعدما خاضوا عدة معارك دفاعًا عن الوجود الإسباني في المنطقة، لينالوا فيما بعد وسام الاستحقاق العسكري الجماعي، ويُصنع منهم رمز للبطولة في الذاكرة العسكرية الإسبانية.
بينما تواصل المؤسسات الإسبانية تخليد “نجدة مليلية” كملحمة بطولية، يغيب في هذا السرد الاعتراف بالحقيقة الكاملة: وهي أن الاحتلال الإسباني للثغر المغربي كان سببًا في نشوب هذه المواجهات أصلًا، وأن دماء آلاف المغاربة سُفكت دفاعًا عن أرضهم، لا عن “كرامة التاج”.
إن قراءة متأنية لهذا النوع من الخطابات التاريخية الإسبانية تضعنا، كمغاربة، أمام مسؤولية استعادة السرد الوطني من قبضة المحتل السابق، وتصحيح الذاكرة الجماعية بما يُعيد الاعتبار للمقاومة المغربية التي كتبت إحدى أعظم ملاحمها في أنوال.
25/07/2025