kawalisrif@hotmail.com

قطاع الضيافة في مالقة بين انتعاش التشغيل وأزمة اليد العاملة :    دروس مغربية مستخلصة من النموذج الإسباني

قطاع الضيافة في مالقة بين انتعاش التشغيل وأزمة اليد العاملة : دروس مغربية مستخلصة من النموذج الإسباني

في وقت يشهد فيه إقليم الأندلس الإسباني – وتحديدا مدينة مالقة – طفرة موسمية في الطلب على اليد العاملة داخل قطاعي الفندقة والمطاعم، يجد أرباب العمل أنفسهم في موقف حرج، وسط مفارقة صارخة: آلاف الوظائف الشاغرة مقابل أعداد ضخمة من العاطلين عن العمل.

مع كل صيف، تتحول مدينة مالقة الساحلية إلى نقطة جذب سياحي كبرى، ما يفرض ضغطًا إضافيًا على مؤسسات الإطعام والاستقبال. ووفق أرقام رسمية، فإن الحاجة تقارب 6000 منصب شغل خلال شهر غشت وحده، أغلبها في الفنادق والمقاهي والمطاعم المنتشرة على طول الساحل.

لكن العائق ليس في عدد السكان، بل في غياب الكفاءات، مما يدفع الكثير من المؤسسات للاعتماد على الطلبة أو إرهاق الموظفين الحاليين بساعات عمل إضافية. وهو ما أكده “خافيير فروتوس”، رئيس جمعية أصحاب المطاعم بمالقة (MAHOS)، محذرًا من أن هذا الوضع “قد يضر بجودة الخدمات السياحية على المدى المتوسط”.

رغم توقيع أكثر من 100 ألف عقد شهريًا في قطاع الضيافة على المستوى الوطني الإسباني، ورغم ارتفاع النسبة بـ3% مقارنة بالسنة الماضية، إلا أن الآلاف مناصب العمل تبقى غير مشغولة. والمفارقة أن أكثر من 20 ألف شخص مسجلين في قوائم الباحثين عن الشغل لدى وكالة التشغيل بالأندلس، لكن دون أن يكونوا مهيئين فعليًا للاندماج في سوق العمل.

حتى المطاعم الفاخرة، كالمطعم الحاصل على نجمة ميشلان الذي يشرف عليه الشيف خوسيه كارلوس غارسيا، تعاني من صعوبة إيجاد موظفين يجيدون أبجديات التعامل مع الزبون الأجنبي، كإتقان اللغة الإنجليزية.

أحد أبرز التحديات حسب القائمين على القطاع، هو النظرة المجتمعية الدونية للعمل في الضيافة، إذ يعتبرها كثير من الشباب “مهنة مؤقتة وغير مستقرة”، بل “لا تتيح توازنا بين العمل والحياة”. ورغم تحسين شروط العمل ورفع الأجور بـ14% سنة 2024، لا تزال هذه العقليات تهيمن على اختيارات الشباب المهني.

ويضيف فروتوس أن الجيل الجديد “يركز أكثر على الترفيه والراحة، مقابل جهد أقل”، مع تسجيل تراجع في الإقبال على الدورات التأهيلية رغم ما تتيحه من فرص عمل مجزية مثل رئيس المطبخ (Chef) برواتب تتجاوز 1800 يورو شهريًا.

الاتفاق الجماعي لمالقة يعد من بين الأعلى أجرا في عموم إسبانيا، حيث يتقاضى نادل في فندق 4 نجوم نحو 1560 يورو (إجمالي)، بينما تصل أجور الشيفات إلى 1800 يورو أو أكثر. لكن مشكل السكن وغلاء الإيجار – الذي يتجاوز 700 يورو شهريًا – يُقوّض قدرة العاملين على الاستقرار، ما يدفع بعضهم للعيش في كارافانات أو السكن الجماعي.

ما تعيشه مالقة اليوم يطرح تساؤلات عميقة تتجاوز حدود إسبانيا، وتمس النموذج التنموي المغربي نفسه، خاصة في ما يتعلق بتكوين الشباب، وتنمية قطاعات التشغيل الموسمية، وإعادة الاعتبار لمهن الضيافة التي تعاني من صورة نمطية مشابهة في المغرب.

المغرب، بفضل موقعه الجغرافي وتنوعه السياحي، يمتلك مؤهلات واعدة لتوسيع قطاع الفندقة والمطاعم، شرط الاستثمار في التكوين المهني، والتحفيز الاجتماعي، وتحسين صورة هذه المهن في وعي الشباب. فالتجربة الإسبانية تقول بوضوح: الفرص موجودة، لكن غياب الإعداد العقلي والمؤسساتي يفرّغها من مضمونها.

في ظل العولمة وتغير أنماط السياحة، لم تعد مهن الضيافة مجرد وظائف موسمية، بل بوابات لتطور مهني متدرج نحو المسؤولية، والتخصص، والاحتراف. الرهان اليوم هو على تغيير العقليات، سواء في إسبانيا أو المغرب، وربط العمل بالكرامة وليس بالوصم الاجتماعي. فهل نكون في الموعد؟

26/07/2025

Related Posts