في قلب الريف الشرقي، حيث تعانق مياه المتوسط زرقة سماء الناظور، يحتضر مشروعٌ كان يُفترض أن يكون نموذجًا في التنمية البيئية والسياحية : مارتشيكا. الحلم الملكي الذي بُني على رؤية طموحة، تحوّل اليوم إلى صورة باهتة بفعل العبث الإداري والجمود البيروقراطي. وبين طيّات هذا المشهد المتآكل، يصرخ شاطئ بوقانا مستغيثًا : “أنقذونا من خالتي لبنى !”
— “ثايزاث” … تحولت من جزيرة الأحلام إلى مستنقع الإهمال
ليس من المبالغة القول إن ما يحدث في مارتشيكا جريمة في حق الجغرافيا، والتاريخ، والناس. هنا، حيث تلتقي بحيرة “ثايزاث” الساحرة بالبحر المتوسطي، يفترض أن يشهد المرء مشهدًا سياحيًا واعدًا، بيئةً نظيفةً، ومرافقَ في مستوى التطلعات. لكن الواقع يروي حكاية مغايرة: لا مشاريع، لا رؤية، لا التزام … بل شللٌ مزمنٌ تختزله عبارة واحدة: سوء التدبير والفساد .
— لبنى بوطالب … المديرة التي غادرت مارتشيكا دون أن تغادر منصبها
في قلب هذه المأساة الإدارية، تبرز شخصية المديرة لبنى بوطالب، التي تحوّلت في أوساط ساكنة الناظور إلى ما يشبه “الطيف الإداري”: حاضرة في الشكليات، غائبة عن الميدان. منذ تعيينها ( خلفا للمتهم زارو الذي أقيل بسبب الفساد ، والذي يخضع لسلسة من التحقيقات حاليا أمام الفرقة الجهوية للشرطة القضائية ) ، تنتظر المدينة أن تنزل “بركات المديرة” على المشروع الذي أنفقت عليه الدولة آلاف الملايير ، لكنّ الانتظار طال، والمردودية ظلت في خانة “الصفر الكبير”.
كل ما حصدته المدينة منذ إدارة بوطالب، هو صور “سلفي” من على قوارب البحيرة، ولقاءات فلكلورية لا تُسمن ولا تُغني من تخطيط. أما على الأرض، فالمشهد يزداد قتامة: بنية تحتية مهترئة، شاطئ بوقانا متروك للإهمال، واستثمارات معلّقة في الهواء، وكأن المشروع قد تُرك ليُنسى عمدًا.
— من المسؤول؟ وأين الوصاية؟
في مقابل هذا التراخي، تبذل السلطات الإقليمية مجهودات لتدارك الموقف. عامل الإقليم يُحاول، الجماعة تشتغل بما توفر لديها، لكن النتيجة النهائية تصطدم بعائق وحيد: إدارة “مارتشيكا ميد”، الذراع التجاري لوكالة تهيئة بحيرة مارتشيكا، التي لا تزال تسير على إيقاع المزاج الشخصي لمديرها القاطن بالرباط ، بلا محاسبة ولا تقييم.
والمفارقة الموجعة أن هذا المشروع يحمل الصفة الملكية، ويُفترض أن يُجسد نموذجًا للتنمية المستدامة، كما جاء في خطب جلالة الملك . فكيف يُعقل أن تُترك مصائر المشاريع الكبرى رهينة بـ”هوى شخصي” و”فوضى بيروقراطية”؟
الرسالة واضحة : الناظور لا يحتاج إلى مديرة غائبة وغير مهتمة ونهجت أسلوب تصفية كوادر الوكالة وإبعادهم ليخلوا لها الطرح لتعيين أقاربها والمحيط والأصدقاء ومعارف المعارف …. إلخ ، بل إلى مسؤول مؤهل يملك الإرادة والكفاءة لإعادة الروح إلى مارتشيكا. المشروع لا يحتاج إلى مزيد من “الوعود الباهتة”، بل إلى خطة إنقاذ جادة، تبدأ من تغيير القيادة ومساءلة المتقاعسين عن العبث.
فإذا كانت الوزارات الوصية حقًا تؤمن بالتنمية الجهوية، فقد آن الأوان لإعادة النظر في واقع هذا المشروع، ومساءلة كل من ساهم في تحويله إلى “حطام تنموي”.
في الختام، الناظور ليست حديقة خلفية لأحد، ولا أرضًا مباحة لتجارب فاشلة. إنها مدينة تملك كل مقومات الإقلاع، لكنها بحاجة فقط لمن يؤمن بها ويعمل من أجلها. أما إذا كانت “مارتشيكا” ستظل رهينة سوء التدبير !
27/07/2025