kawalisrif@hotmail.com

جمارك الناظور بين شلل الإدارة وهروب المستثمرين: هل تُحاصَر تنمية الريف من الداخل؟

جمارك الناظور بين شلل الإدارة وهروب المستثمرين: هل تُحاصَر تنمية الريف من الداخل؟

في زمن تتوالى فيه الخطابات الرسمية حول تشجيع الاستثمار وتبسيط المساطر الإدارية، يبدو أن الواقع في ميناء بني انصار بالناظور يسير في الاتجاه المعاكس تمامًا. فحسب ملتمس مهني وُجّه إلى المدير العام للجمارك، تعيش الجهة على وقع اختلالات صارخة تُهدد النشاط الاقتصادي برمته، وتُكرّس مناخًا خانقًا يدفع المستثمرين إلى الهجرة الجماعية نحو موانئ أخرى… بل وحتى إلى العودة نحو مليلية المحتلة!

من أبرز ما جاء في الملتمس المهني ما وصفه المستثمرون بـ”التفتيشات المتكررة وغير المبررة”، حيث تخضع الشحنات الجمركية لتدخل عدة مصالح داخلية، ما يعكس غياب التنسيق والثقة بين مكونات الإدارة ذاتها. والنتيجة؟ شلل مسطري، تعطيل للسلع، وارتفاع غير مبرر في التكاليف.

في مشهد عبثي لا يُرى في الموانئ الكبرى، تُجبر جميع شاحنات التصدير والاستيراد بميناء الناظور على المرور عبر السكانير، دون تمييز بين أنواع البضائع أو تقييم للمخاطر. هذا التعميم غير المهني يؤدي إلى تأخيرات جسيمة، ويُثير تساؤلات حول منطقية تدبير الموارد التقنية والبشرية.

تحدث المستثمرون عن إحساس عام يسود أوساطهم بأن الناظور والريف عمومًا يخضعان لمنطق تمييزي عن باقي ربوع المملكة، مقارنة بموانئ كبرى مثل طنجة المتوسط أو الدار البيضاء، خاصة فيما يتعلق بنسبة التفتيش المادي، وشروط الاستيراد والتصدير، ومعالجة الملفات. وهو ما دفع كثيرين إلى الانسحاب، بل وبعضهم إلى التفكير في استخدام ميناء مليلية المحتلة لإدخال البضائع من معبر بني انصار، في مفارقة مؤلمة تنسف كل الخطابات الوطنية حول السيادة الاقتصادية.

أحد أخطر ما تسرّب من نص الملتمس هو رفض بعض المصالح الجمركية استقبال طلبات الطعن أو التحكيم من طرف المستثمرين، ورفض اعتماد الفواتير الأصلية، ما يجعل المتعاملين يلجأون إلى القضاء، والذي كثيرًا ما ينصفهم. لكن بأي تكلفة زمنية واقتصادية؟!

بعد إغلاق الحدود التجارية مع مليلية، عاد عدد من المستثمرين المغاربة لمزاولة نشاطهم من الناظور، بدافع وطني واستثماري. لكن الممارسات الجمركية الفوضوية وغير المهنية دفعتهم إلى الرحيل مجددًا نحو أوروبا، بعد أن تكبّدوا خسائر جسيمة… فهل يُعقل أن نُطارد الاستثمار بأيدينا؟

الوثيقة المهنية لم تكتفِ بالتشخيص، بل دعت إلى فتح تحقيق إداري ميداني، وتوحيد المعايير الجمركية، وتفعيل آلية التحكيم، وإعادة تفعيل قرار التخفيض الجمركي بنسبة 20%، بما يضمن تنافسية الناظور ويُعيد الثقة إلى المستثمرين.

ما يجري بميناء الناظور ليس مجرد مشكل إداري عابر، بل هو عنوان لفجوة خطيرة بين الخطاب والممارسة، بين المركز والهامش، بين إرادة التنمية وحصار البيروقراطية. والمقلق أن يتزامن كل هذا مع لحظة سياسية دقيقة يُعاد فيها رسم خريطة الاستثمار الوطني. فهل يُعقل أن يُحاصر الريف من الداخل بينما تُعلن الدولة نوايا الإنصاف والجهوية؟
أليس من حق الناظور أن يُعامل مثل طنجة؟ أم أن بعض العقليات لا تزال تعتبر الريف مجرد “هامش مزعج” يجب خنقه تحت غبار التفتيشات ودهاليز السكانير؟

الكرة اليوم في ملعب الإدارة العامة للجمارك… وعيون المستثمرين تترقب الفعل، لا البيان.

28/07/2025

Related Posts