دعا الفيلسوف المغربي محمد المصباحي إلى إرساء ما سماه بـ”التنوير الرقمي” كأداة لمجابهة الاستلاب المتزايد الذي تمارسه الشبكات الاجتماعية على الأفراد، مؤكداً أن هذه المنصات تجاوزت دورها كوسيلة للتواصل لتتحول إلى أدوات تتحكم في مصير الإنسان وتُغرقه في دوامة اللاوعي، بإيعاز من الشركات الكبرى التي أصبحت تتحكم في صناعة الرأي والتأثير. واعتبر المصباحي، في مداخلته بندوة اختتام الدورة التاسعة عشرة لمهرجان “ثويزا” الثقافي، أن هذه الفضاءات الرقمية تروّج للأكاذيب وتنسج أوهاماً يتوهمها الإنسان كحقائق، في حين أنها مجرد صناعات وهمية لخدمة مصالح معينة.
وسلط المتحدث الضوء على تحوّل التبعية من الأنظمة والمرجعيات الدينية التقليدية إلى الخضوع لمنصات رقمية عملاقة تفوق قدرات الدول على التحكم فيها، داعياً إلى بناء مقاومة جديدة قائمة على عقلانية متوازنة لا ترفض الذكاء الاصطناعي ولكنها تتعامل معه دون التفريط في جوهر الإنسان، المتمثل في العقل والعمل. ولفت إلى أن مؤسسات التنشئة الاجتماعية في المغرب، من أسرة ومدرسة وحزب ونقابة، تراجعت عن أدوارها، ما ترك فراغاً ملأته الوسائط الرقمية، وخلق جيلاً تابعاً لتأثيراتها دون مرجعية واضحة.
كما أشار المصباحي إلى تصاعد “عدميات” متعددة، سواء أصولية أو رقمية، أسهمت في تآكل إنسانية الإنسان وإضعاف قدرته على التفكير في حاضره ومستقبله، متسائلًا عن جدوى الحديث عن “إنسان الغد” في ظل مزاحمة الذكاء الاصطناعي له في الوظائف والتفكير والعلاقات. ورغم الصورة القاتمة، عبّر المصباحي عن إيمانه بقدرة الإنسان المغربي على النهوض والمشاركة في صياغة الحلول والتوازنات، مؤكداً أن المغرب، باعتباره بلدًا للتوافقات، قادر على إنتاج نموذج تنويري رقمي يعيد للإنسان مكانته في قلب التحولات التاريخية.
28/07/2025