لم يكن لافتاً في سهرة فرقة “ناس الغيوان” التي احتضنها مسرح الهواء الطلق ضمن فعاليات مهرجان الحمامات الدولي بتونس مساء الأحد، فقط الحضور الجماهيري الكثيف، بل أيضاً التنوع العمري لروّاده، بين من جاء مدفوعاً بشوقٍ إلى ذكريات عابرة للأزمنة، وبين شباب متعطش لاكتشاف موسيقى تحمل بين كلماتها وأنغامها إرثاً من الأصالة والتمرد الفني. وقد بدا أن الأغنية الغيوانية، برموزها وإيقاعها، لا تزال تملك القدرة على شد الجمهور بشتى أطيافه.
غياب عمر السيد عن الحفل كان له وقعه، حيث اكتملت بذلك دائرة الغياب عن الفرقة كما عرفها جمهور السبعينيات والثمانينيات. رغم ذلك، حملت السهرة نفساً متجدداً بمشاركة آلات موسيقية كالكمان والناي والأورغ، دون أن تفقد الأغنية الغيوانية هويتها وعمقها الروحي. ومع بداية السهرة، استدعى رشيد باطما الحنين حين أعلن غياب عمر، ليعلو صوت أحد الحاضرين بالدعاء لروح بوجميع والعربي باطما و”باكو”، في مشهد يختصر عمق العلاقة الوجدانية بين الجمهور والفرقة.
وقد تنقل الجمهور التونسي مع الفرقة بين محطات من ريبيرتوارها الخالد، بداية من “الله يا مولانا”، مروراً بأغاني مثل “الصينية”، “الهمامي”، “فين غادي بيا خويا”، و”يا صاح”. وبينما تمايل الشباب بحماس على المدرجات المصممة على طراز المسارح الإغريقية، اختار الكبار الإنصات والتفاعل الهادئ، وكأنهم يسافرون في الزمن عبر كلمات مثل “فين حومتي ولي ليا” و”أنا راني مشيت والهول داني”. وتوّجت لحظات التفاعل الجماعي بكلمات “هل الحال يا أهل الحال…” التي رددها الجميع بصوت واحد، وكأنها نشيدٌ للواقع العربي الراهن. هكذا، أثبتت سهرة “ناس الغيوان” من جديد أن الأغنية الغيوانية، رغم تعاقب الأنماط الموسيقية، ما زالت تنبض بحياة فنية وإنسانية لا تنضب.
28/07/2025