بقلم: فريد الحمدوي
أثار تنظيم حفل التخرج قبل أيام بجامعة ابن طفيل بالقنيطرة موجة من الانتقادات والسخرية، بعد أن تضمن فقرة فنية شارك فيها مغنٍ شعبي برفقة “الشيخات”، وذلك أمام حضور ضم آباء وأولياء الطلبة، إلى جانب الطلبة المتفوقين وأساتذتهم، وربما بعض المسؤولين التربويين والجامعيين.
وتفاعلاً مع “الحدث” وما رافقه من جدل واسع على مواقع التواصل الاجتماعي بعد انتشار مقطع فيديو يوثق اللحظة، بادرت رئاسة الحكومة إلى التأشير على قرار وزير التعليم العالي بإعفاء رئيس جامعة ابن طفيل من مهامه، في خطوة فُهمت كمحاولة لتصحيح “الخطأ” المرتكب داخل الحرم الجامعي، سواء تم بعلم رئيس الجامعة أو دون علمه.
وتشير بعض التصريحات إلى أن رئاسة الجامعة لم تكن على دراية مسبقة بمحتوى الحفل ولا بالجهات المشاركة فيه، مرجعة المسؤولية إلى جمعية طلبة المدرسة الوطنية للتجارة والتسيير بالقنيطرة، التي أصدرت بياناً أوضحت فيه أن الحفل جرى في أجواء راقية ومنظمة، افتُتح بآيات من الذكر الحكيم والنشيد الوطني، وتضمن تكريماً للطلبة المتفوقين وتوزيعاً للشهادات، بحضور مسؤولين جامعيين وأسر الطلبة وعدد من الفعاليات. كما اعتبرت الجمعية أن الفقرة الفنية كانت ذات طابع مغربي، احترمت السياق الأخلاقي وعبّرت عن فرحة التخرج.
لقد رقص الطلبة واحتفلوا بتخرجهم على أنغام الموسيقى الشعبية، ورقصت الأمهات مع أزواجهن وأبنائهن في فضاء الجامعة، فهل يُعدّ هذا فعلاً يستوجب الإدانة؟ وأين يكمن الخلل تحديداً؟
استند المنتقدون إلى قدسية الحرم الجامعي، معتبِرين أن ما جرى يُعدّ مسًّا بحرمة مؤسسة أكاديمية، ورأوا في حضور “الشيخات” تجاوزاً خطيراً يسيء إلى مكانة الجامعة. في المقابل، دافع آخرون عن الحدث، واعتبروه تعبيراً طبيعياً عن ثقافة مغربية أصيلة، ورمزاً من رموز الفرح، لا يستدعي كل هذه الضجة، بل إنّ إثارة الجدل ما هو إلا محاولة لإخراج الموضوع من سياقه الاحتفالي الذي كُرِّم فيه المتفوقون واحتُفي بإنجازاتهم.
المفارقة أن المحتفلين هم نخبة من الطلبة المتفوقين، احتفلوا رفقة أسرهم التي تنتمي إلى طبقات اجتماعية مختلفة، من ضمنها ربما شخصيات أكاديمية وعلمية وسياسية، حضروا، ابتهجوا، رقصوا، ثم غادروا. لكن، بعد انتشار الفيديو، اشتعلت مواقع التواصل الاجتماعي، واشتعل معها “فتيل الحرب” الذي انتهى بإقالة رئيس الجامعة. وهنا يُطرح السؤال: هل تُعدّ الموسيقى الشعبية المغربية فضيحة؟ وهل “الشيخات” هنّ جوهر الإشكال؟ وما الذي كان سيحدث لو دعا المنظمون فرقة “فلامنكو” إسبانية، أو فرقة موسيقية من أوروبا الشرقية أو من جنوب الصحراء؟ هل كنا سنشهد نفس ردة الفعل؟
ما حدث لا يمكن فصله عن “نظام التفاهة” الذي أصبح يتحكم في أذواق الناس وسلوكياتهم، ويوجّه انتباههم نحو مواضيع سطحية، وذلك بتواطؤ غير معلن من بعض الجهات الرسمية التي طالما استدعت “مؤثرين” بلا رصيد معرفي أو فني، فقط لأن لديهم مشاهدات عالية على مواقع التواصل، للمشاركة في فعاليات كبرى ومهرجانات وطنية ودولية. بل إن نسخة افتتاح كأس إفريقيا للسيدات الأخيرة احتوت على موسيقى شعبية ورقصات مماثلة، بتنسيق فني أفضل، ولاقى ذلك استحساناً رسمياً وشعبياً.
فهل المشكل يكمن فعلاً في “الشيخات” وتمثُّل سلبي تجاه هذه الفئة الفنية التي تحضر في حفلاتنا وتؤنسنا في الحانات والفنادق المصنفة؟ أم أن الإشكال في مكان تنظيم الحفل نفسه، أي الجامعة؟ وهل كان الأجدر تقديم لون فني “أرقى” ينسجم مع طابع المؤسسة الأكاديمية؟
هنا نصطدم بإشكالية تصنيف الأذواق الفنية، وبازدراء بعض مكونات الثقافة المغربية، رغم أن الكثيرين يرفعون شعار “تامغرابيت” ويدّعون التشبث بالهوية الثقافية المغربية.
إنها أسئلة كثيرة، والإجابة عنها تحتاج إلى خبراء في علم النفس الاجتماعي والسوسيولوجيا، لفهم العقلية المغربية التي تقبل شيئاً وتحرّمه على نفسها في الوقت ذاته. وربما من الحكمة أن نختم باستحضار المثل الشعبي المغربي القائل:
“الفقيه اللي نتسناو براكتو، دخل للجامع ببلغتو”
علّه يكون مدخلاً لفهم ما حدث، ووضع الأصبع على مكمن الخلل الحقيقي.