لم تعد مشاهد تهريب الحشيش وعمليات الهجرة غير الشرعية حكرًا على نقاط العبور التقليدية في سبتة المحتلة أو مياه مضيق جبل طارق. اليوم، أصبحت هذه الأنشطة الإجرامية تتمدد بهدوء نحو شواطئ ومنتجعات تُعد من بين الأرقى في جنوب إسبانيا، مثل سوتوغراندي وإل پالمّار، لتكشف الوجه الآخر لصورة الرفاهية والبذخ التي تروج لها السياحة الأندلسية.
خلال أيام قليلة فقط، سجل الأمن الإسباني عمليتين بارزتين أعادتا تسليط الضوء على نشاط الشبكات المنظمة التي تمزج بين الاتجار بالحشيش وتهريب المهاجرين، مع جرأة متزايدة في استغلال المناطق السياحية الفاخرة بعيدًا عن أنظار السلطات التقليدية.
أولى هذه العمليات وقعت في 23 يوليوز الماضي، عندما سُرِقت سفينة ترفيهية من مرسى سوتوغراندي – أحد أشهر المراسي الخاصة بنخبة الملاحة الترفيهية في إسبانيا – ليتبين لاحقًا أنها استُخدمت لنقل مهاجرين سرًّا نحو ميناء الجزيرة الخضراء. ورغم نجاح الشرطة في استعادة المركب خلال أقل من 24 ساعة، إلا أن التحقيقات كشفت هشاشة الرقابة الأمنية على مرافق يُفترض أنها حكرٌ على الترف والثقة.
بعد أيام فقط، شهدت شواطئ إل پالمّار في منطقة قادس ضربة جديدة لشبكات الحشيش، حين صادرت الشرطة 3.5 أطنان من الحشيش كانت مغلَّفة بعناية داخل طرود وأكياس مُموَّهة على شكل فواكه استوائية، إلى جانب كميات ضخمة من الوقود المخصص لتزويد الزوارق السريعة. وتبين أن العصابة كانت تستخدم مزرعة قريبة من الشاطئ كقاعدة لوجستية لتخزين المخدرات وتجهيز القوارب النفاثة «الناركو لانشاس» في انتظار تحسن الأحوال البحرية.
أحداث سوتوغراندي وإل پالمّار لم تأتِ من فراغ؛ إذ رصدت تقارير أمنية أوروبية في السنوات الأخيرة تحوُّل شبكات التهريب نحو شواطئ ومنتجعات سياحية راقية، مستفيدة من حركة اليخوت المستأجرة والحفلات الخاصة والفوضى الموسمية التي ترافق ذروة الإجازات. الفكرة بسيطة وخطيرة في آن واحد: وسط يخوت الأثرياء وحشود المصطافين، يصبح من الأسهل إخفاء شحنات الحشيش أو تهريب المهاجرين بسرية.
الأخطر من ذلك أن الموانئ الخاصة في هذه المناطق تخضع غالبًا لرقابة أقل مقارنةً بالمراكز اللوجستية الكبرى، ما يجعلها هدفًا مغريًا لتجار الوقود المهرَّب والمخدرات وحتى شبكات تهريب البشر.
ويرى الخبراء أن هذه العمليات امتداد طبيعي لتوسع شبكات التهريب التي ما تزال تجد في الثغور المحتلة مثل مليلية وسبتة نقاط عبور أساسية، قبل أن تفرّخ خطوطًا جانبية تمتد نحو قادس ومالقة وهويلڤا. ومع تحسن الأحوال الجوية صيفًا، تنتعش حركة «الناركو لانشاس» التي تجوب الممرات البحرية في سباق محموم مع الدوريات الإسبانية والمغربية.
التحدي الجديد الذي يقلق السلطات الإسبانية يتمثل في الجمع بين مشهد الرفاهية والأنشطة الإجرامية؛ فاختلاط السياحة الفاخرة بفضائح التهريب والاتجار بالبشر يهدد سمعة الوجهات التي تعتمد بشكل شبه كلي على السياحة الراقية كمصدر رئيسي لعائداتها.
وفي ظل هذا التطور المقلق، تعود سبتة السليبة لتلعب دور البوصلة الأمنية، إذ يرى مراقبون أن ما يبدأ في الثغور المحتلة قد يجد امتداده سريعًا في عمق السواحل الإسبانية، طالما استمرت الشبكات في استغلال الثغرات وتوظيف الجغرافيا لصالحها.
وبين أسئلة الأمن ومحاولات الرقابة المشددة، يبقى التحدي الأكبر أمام مدريد: كيف يمكن حماية سمعة شواطئ الرفاهية من دنس شبكات تهريب الحشيش والمهاجرين؟ وكيف ستتعامل مع تحولات أمنية تلقي بظلالها الثقيلة على سياحة أصبحت رهينةً للجريمة المنظمة؟
01/08/2025