في خطوة جديدة قد تعيد النقاش حول وضعية الثغور المحتلة شمال المغرب، دعا ديوان المحاسبة الإسباني حكومة بيدرو سانشيز إلى فرض قيود صارمة على الدعم المخصص للنقل البحري في المناطق الخارجة عن البر الإسباني الرئيسي، وعلى رأسها مليلية وسبتة (المحتلتان) إلى جانب جزر الكناري والبليار.
التقرير الأخير الذي صادق عليه الديوان عن سنة 2023 كشف عن أرقام ضخمة؛ إذ خصصت مدريد أكثر من 227 مليون يورو لدعم 8.6 ملايين رحلة بحرية لفائدة المقيمين والأسر الكبيرة، استحوذ سكان هذه المناطق المحتلة على النصيب الأكبر منها بنسبة قاربت 94%. ويغطي هذا الدعم ما يصل إلى 75% من ثمن التذاكر لضمان الربط البحري مع البر الإسباني، رغم مؤشرات واضحة على تراجع جاذبية مليلية كمعبر نحو أوروبا، وخاصة بالنسبة للجالية المغربية.
فرغم هذا السخاء، أظهرت الأرقام الأخيرة تراجعًا ملحوظًا في أعداد أفراد الجالية المغربية المقيمة بالخارج الذين اعتادوا عبور مليلية لقضاء عطلهم الصيفية أو زيارة الوطن الأم، لصالح موانئ مغربية أكثر تجهيزًا وحداثة مثل طنجة المتوسط والناظور وحتى سبتة. ويعزو متابعون هذا التراجع إلى تحسن الخدمات والبنية التحتية للموانئ المغربية، وتنامي وعي الأسر المغربية بصعوبات وتعقيدات العبور عبر الثغور المحتلة، إلى جانب الرسائل السيادية المتواصلة التي تبعث بها الرباط بشأن هذه الأراضي.
وكما رصد التقرير، فإن هذا «الكرم» الإسباني ليس بلا ثمن. فقد حذّر ديوان المحاسبة من أن النظام الحالي يفتح الباب واسعًا أمام التحايل، إذ يكفي تقديم شهادة الإقامة الإدارية دون التحقق من الإقامة الفعلية، ما قد يمكّن مواطنين يقيمون فعليًا في البر الرئيسي من الاستفادة بشكل غير مشروع من إعانات موجَّهة أصلًا لسكان الثغور المحتلة.
ولا يقف الأمر عند هذا الحد؛ فغياب أي سقف محدد لعدد الرحلات المدعومة لكل شخص أو قيمة التذاكر أو حتى نوعية المقصورة، أتاح لفئات ميسورة استغلال الدعم لحجز مقصورات فاخرة بأسعار مبالغ فيها، بل إن بعض التذاكر شملت خدمات إضافية كالإطعام والترفيه في مخالفة صريحة للقوانين المنظمة.
لذلك، أوصى ديوان المحاسبة بضرورة تحديد مبلغ ثابت لكل رحلة، ووضع سقف أقصى لعدد الرحلات المدعومة سنويًا، مع ربط الدعم بمستوى الدخل الحقيقي للمستفيدين، للحد مما وصفه بـ«التجاوزات» التي تستنزف الخزينة دون أن تصل إلى الفئات المستحقة فعلًا.
ويطرح التقرير أسئلة محورية حول مدى جدوى استمرار هذه العقود البحرية الممولة من المال العام، خاصة على خطوط مثل مليلية – مالقة أو مليلية – ألميريا، في ظل تأكيد الديوان على وجود تنافسية كافية في السوق، وتزامن ذلك مع تراجع متواصل لأعداد الوافدين من الجالية المغربية التي ظلت لعقود شريانًا حيويًا لحركة هذه الخطوط.
وتناقض هذه التوصيات تصريحات وزير السياسة الترابية والذاكرة الديمقراطية، أنخيل فيكتور توريس، الذي حاول مطلع هذا العام طمأنة سكان مليلية المحتلة بأن الدعم «لن يمس»، رغم الحقائق التي تكشفها الأرقام.
وبينما تنشغل مدريد بتدقيق حسابات هذا الدعم المهدور، يطرح الشارع المغربي تساؤلات أعمق: إلى متى ستستمر إسبانيا في ضخ ملايين اليوروهات لإطالة أمد وضع استعماري مرفوض؟ وكيف ستصمد هذه الأرقام أمام تراجع ثقة الجالية المغربية التي صارت تفضل معابر وطنية أكثر سيادة وأمانًا وانفتاحًا؟ وأي مستقبل ينتظر مليلية المحتلة حين تنغلق أبوابها تدريجيًا أمام العبور الطبيعي نحو حضنها المغربي؟
01/08/2025