يدخل الملك الإسباني السابق خوان كارلوس الأول عامه الخامس بعيدًا عن القصر الذي صنع مجده، مستقرًا في أبوظبي منذ صيف 2020، بعدما فاجأ إسبانيا والعالم بقرار الرحيل، تاركًا خلفه أسئلة بلا أجوبة حول ملايين الدولارات ومسارات الثروة العابرة للحدود.
لم يكن قرار الرحيل مجرد نزهة ملكية، بل جاء بعد أن سحب منه ابنه، الملك فيليبي السادس، المخصصات الرسمية وتنازل عن أي إرث قد يربطه شخصيًا بوالده، في محاولة لوقف نزيف الشرعية الملكية أمام عاصفة الفضائح التي طالت قصرًا لم يكن يحتمل ضجيج الحسابات البنكية ولا صناديق المال القادمة من وراء الصحراء.
وبرسالة وداع مهذبة، أوعز خوان كارلوس لابنه بأن خروجه من البلاد إنما هو «خدمة لإسبانيا» وصونٌ لمؤسساتها. لكن خلف السطور، تقول وقائع تلك المرحلة إن الأب الملكي تراجع خطوة للخلف ليقي العرش من صدمة زلزال كان من الممكن أن يهزّ عرش بوربون برمّته.
منذ ذلك التاريخ، صار «المنفى الاختياري» في أبوظبي عنوان حياة جديدة للملك الأب: حياة بلا بروتوكول رسمي، لكنها أيضًا بلا ضوء رسمي. فلا مراسم استقبال، ولا تحايا البلاط. وحدها سباقات الزوارق في سانشنخو تمنحه فرصة الظهور من حين لآخر، يلوّح بيدٍ تلوّثت بملفات مالية لكنها ما زالت تمسك بذكريات التتويج.
في كل زيارة عابرة إلى إسبانيا، يُقيم خوان كارلوس في بيت صديقه بيدرو كامبوس، ويبحر على متن قاربه الشهير «بريبون» الذي صار أشبه بزورق نجاة يفرّ به من عزلته، قبل أن تعيده الأمواج إلى شواطئ الخليج حيث وجد «راحة البال» التي افتقدها في مدريد.
ورغم بلوغه السابعة والثمانين، ما زال الملك السابق يحتفظ بحق الصمت ورفاهية الاختفاء. ملفات التحقيق أُغلقت، بعضها بالتقادم وبعضها بامتياز «الحصانة الملكية» التي أسدل عليها ستار التنازل سنة 2014. أما المصالحة التي يعد بها في مذكراته المنتظرة نهاية هذا العام، فلا تعدو كونها محاولة لإعادة سرد الرواية بلسان «الملك المظلوم» الذي يتهم السياسة والإعلام بـ«سرقة تاريخه».
وفيما تمر ذكرى نصف قرن على تنصيبه ملكًا على إسبانيا، لا تزال الأسئلة معلّقة: هل كان خوان كارلوس حقًا ملكًا أنهى عهد الديكتاتورية وفتح أبواب الديمقراطية؟ أم كان ملكًا عاشقًا للبذخ، ترك وراءه إرثًا ماليًا يحرج العرش ويحرج معه ذاكرة الإسبان؟
أبوظبي، ببحرها الدافئ وأبراجها اللامعة، تحتضن سرّ الملك العجوز. أما مدريد، فتنتظر مذكراته بفضول البلاط… علّها تجد بين سطورها تبريرًا يليق بعرشٍ قيل إنه أنقذ ديمقراطية وضيّع ملايين.
وإلى أن يصدر كتاب «المصالحة» سيظل القصر الملكي يردّد همسًا: لا أحد يعرف كم بقي في جعبة الملك من أسرار… وكم بقي في ذاكرة البلاط من غفران!
04/08/2025