حين وُلد مشروع تهيئة بحيرة مارتشيكا، حلمت الناظور بمستقبل يشبه ضفاف الريفييرا، وساحل يعجّ بالحياة، وفرص عمل واستثمارات تسيل لعاب المستثمرين … لكن، ما بين الحلم والواقع، كان كابوسٌ طويل اسمه التدبير الفاشل، والعبث الإداري، والشلل التنموي الممنهج.
بعد سنوات من الوعود البراقة والخطب الرسمية المطمئنة، تبدو وكالة مارتشيكا اليوم كـ”جثة هامدة”، تتنفس بالكاد تحت أنقاض العشوائية، وسوء التسيير، وشبكة المصالح التي تحولت إلى سرطان ينخر جسد المشروع.
منذ تعيين لبنى بوطالب على رأس إدارة الوكالة، انتظر كثيرون لمستها السحرية وبرامجها التنموية، قبل أن يستفيقوا من وعودها البراقة والكاذبة. وسرعان ما وصفها الشارع المحلي بالناظور ساخرًا بـ”خالتي البايرة”، في إشارة إلى ترددها، وضعف قراراتها، وافتقارها لأي رؤية حقيقية. لم تجلب المديرة أي “جرعة أوكسجين” للمشروع، بل جاءت مثقلة بعلاقات مشبوهة، أبرزها علاقتها الوثيقة بالمقاول والخليل “مروان”، الذي صار لاحقًا المدير العام لشركة “مارتشيكا ميد” الذراع التجاري لوكالة تهيئة بحيرة مارتشيكا .
وهكذا تحولت الوكالة إلى ضيعة خاصة تُدار على إيقاع الولاءات الشخصية والصفقات المشبوهة، في غياب تام لأي استراتيجية فعالة تُخرج الناظور من أزمته التنموية.
منذ أشهر عديدة، ومنذ خلافة سعيد زارو، ابن الريف الذي تنكر لأصله، تعيش المشاريع المرتبطة بوكالة مارتشيكا حالة شلل عام: لا رؤية واضحة، ولا قرارات فعالة، ولا إشارات أمل.
والأسوأ من ذلك أن العديد من الصفقات تُسند خارج القانون، مع تغييب كامل للكفاءات المحلية، وتهميش الطاقات الشابة التي تحمل المعرفة والأفكار الجديدة.
كثيرون يرون أن المشروع لا يراوح مكانه فقط، بل يُغرق عمدًا. والفاعل معروف: تحالف “المديرة العجيبة” مع المقاول المتنفذ “مروان”.
في الناظور، صار لسان حال الناس يردد ساخرًا : “مارتشيكا ؟ لا زين لا مجيا بكري!” وهو اقتباس شعبي يعكس حجم الخيبة : لا إنجازات حقيقية، ولا مشاريع مكتملة، فقط صور إعلامية ملفقة تُخفي عمق الأزمة.
— الواجهة البحرية؟ مهجورة.
المشاريع و”الماكيت” و”المكياج” لنهضة فندقية راقية؟ متعثرة.
— تشغيل الشباب؟ مجرد حلم بعيد.
وما تحقق؟ لا يليق بحجم الميزانيات الضخمة التي ضُخت في المشروع على مدى عقدين.
المطلوب اليوم ليس مجرد تغيير الأسماء، بل فتح تحقيق شامل في كل ما جرى منذ انطلاق المشروع، ومحاسبة كل من عبث بأحلام الناس، وحوّل مارتشيكا من “مشروع وطني استراتيجي” إلى مزرعة خلفية لإرضاء الطموحات الشخصية.
آن الأوان لإخراج الناظور من براثن العبث، وإعادة المشروع إلى مساره الصحيح، فصبر السكان بدأ ينفد، والثقة في المؤسسات على المحك.
وإن كانت “لبنى” تخطط لمستقبل الناظور بـ”العين والحساب”، فالحساب عند الناس واضح : فائض في الوعود، وعجز في الإنجاز!
وإن استمر الوضع على ما هو عليه، فربما سيكون عنوان المرحلة المقبلة : “مارتشيكا… مشروع ضاع بين أيادي الهواة ومقاولين برخصة غرام !”
مشروع مارتشيكا، الذي بدأ كمخطط ملكي طموح لإحياء الواجهة المتوسطية، انتهى اليوم كـ”مخطط عاطفي” في دفتر “الخالة لبنى”، تُقلب صفحاته مع المقاول مروان بين اجتماع صوري وآخر “مثير”.
وإذا كانت وكالة تهيئة مارتشيكا تُدار بمنطق: “البورتابل فالساق، والقرارات في جيب خليل القلب”،
فلا تنتظروا سياحة، ولا استثمار، ولا تنمية، بل انتظروا موسم الهجرة نحو العبث !
لقد أصبحت مارتشيكا مثل سيارة إسعاف بلا بنزين، يدفعها السكان بأيديهم، بينما “الخالة لبنى” تمسك المقود وتغني :
“غادي بيكم للهاوية … ورضوان الكاميكازي فالمراية!”
فليخبرنا أحد العقلاء: هل هذه وكالة تنمية أم وكالة غرام؟ إدارة أم “استراحة أحباب”؟
وإلى أن تستفيق الجهات المسؤولة من سباتها العميق، ننصح الساكنة بارتداء سترات النجاة، لأن سفينة مارتشيكا تبحر الآن بلا بوصلة، وقبطانها مشغول بترتيب مائدة العشاء بدل رسم خارطة الطريق!
نعم، مارتشيكا كانت حلمًا ملكيًا، لكنها تحولت إلى مسلسل تركي طويل، حبكته “ضعف الرؤية”، وأبطاله “كفاءات مزيفة”، وإخراجه لم يتجاوز مستوى فيديوهات “إنستغرام” الدعائية.
المشروع الذي وُعد أن يُنافس سان تروبيه، صار ينافس بني شيكر في عدد الأكواخ المهجورة .
و”الخالة لبنى”، ويا حسرة، لم تدخل التاريخ كأول امرأة تقود المشروع، بل كأول من قاد سفينة بمحرّك “عاطفي”، وبوصلة “علاقات خاصة”، وخارطة طريق تُكتب مساءً في دردشات الواتساب مع خليلها، وتُعرض صباحًا كخطة عمل على طاولة الاجتماعات.
ويا ليتها اكتفت بالعجز ! بل شرعت في تدمير ما تبقى، ونجحت في تحويل الوكالة من مؤسسة وطنية إلى “نادي خاص”، ومن واجهة تنموية إلى “صالة انتظار لعشاق المناصب”.
فهل ينتظر اليوم الذي تُدرج فيه وكالة مارتشيكا ضمن تراث اليونسكو كأطول مشروع معلّق في حوض المتوسط؟ أم يطالب بإدراجها كنموذج من “المآسي الإدارية الكبرى” التي تُدرّس في معاهد الحكامة كدرس في الفرص الضائعة؟
وإن كانت الخالة لبنى ترى في نفسها ربانة السفينة، فالساكنة تراها مجرد “راكبة على الموجة”، لا تجيد التجديف ولا قراءة الخرائط، والمسكينة تظن أن البوصلة تشير دومًا إلى رضوان لا إلى الشمال.
وحتى لا نقسو كثيرًا، فلننهي بسؤال بريء: هل هناك رقم خاص للوقاية المدنية … حين تشتعل المشاريع قبل أن ترى النور ؟
05/08/2025