في محاولة جديدة لتلميع صورة السياسة الخارجية الإسبانية، خرج وزير الخارجية، خوسيه مانويل ألباريس، بتصريحات يُشيد فيها بما أسماه “أمانًا كاملاً” للحدود بين المغرب ومدينتي سبتة ومليلية المحتلتين، زاعمًا أن التعاون مع الرباط بلغ أفضل مراحله.
لكن من الجانب المغربي، لا يُمكن قراءة هذه التصريحات إلا ضمن سياق التضليل السياسي الذي يُراد منه إضفاء الشرعية على وضع استعماري مرفوض، وتقديم مدينتين مغربيتين كجزء من المنظومة الحدودية الأوروبية، في تجاوز فجّ للحقائق التاريخية والجغرافية.
تصريحات ألباريس لم تأتِ من فراغ، بل جاءت في ظل أزمات متفاقمة في الداخل الإسباني، واستغلال لورقة سبتة ومليلية كأداة دعائية للحكومة الاشتراكية في مواجهة خصومها من الحزب الشعبي. وبينما تُقدَّم “النجاحات” الأمنية على أنها ثمرة للتنسيق مع المغرب، تغيب تمامًا الإشارة إلى الجذور السياسية العميقة للأزمة: الاحتلال.
في المقابل، يُنظر في المغرب إلى هذه اللغة بنوع من الريبة، خصوصًا أنها تتزامن مع دعوات مستترة لإعادة سيناريو “المسيرة الخضراء” لكن في صيغة شمالية. فالمغاربة، رسميًا وشعبيًا، لم ولن يتخلّوا عن حقهم التاريخي في استعادة المدينتين.
من خلال الإشادة بفتح الجمارك التجارية وتراجع أرقام الهجرة غير النظامية، تحاول مدريد تسويق صورة وردية للعلاقات مع الرباط. غير أن هذه المؤشرات الإيجابية – من منظور إسباني – لا تعني بالضرورة انخراطًا مغربيًا في تطبيع الاحتلال.
بل على العكس، يرى الكثيرون أن هذا “الهدوء الدبلوماسي” ما هو إلا قناع هشّ يُخفي ممارسات يومية تنتهك السيادة المغربية، بدءًا من رفع العلم الإسباني على تراب مغربي، وصولًا إلى تعقيد إجراءات العبور أمام آلاف المواطنين المغاربة الذين يجدون أنفسهم رهائن لـ”حدود أوروبية” على أرضهم.
يُفاخر ألباريس بتراجع نسب المهاجرين، مُتجاهلًا حقيقة أن المغرب تحمّل العبء الأكبر في هذا الملف، حيث حوّلت الاتفاقيات الأمنية مدنًا حدودية مغربية إلى مناطق “عازلة” تُمنع فيها الحركية الطبيعية للمواطنين، ويُمارس فيها عنف يومي ضد الحالمين بالعبور، بينهم أطفال ونساء وشباب يائس.
وإذا كان الوزير الإسباني يُشيد بمحاربة المافيات، فإن الواقع يُظهر أن المقاربة الإسبانية الأمنية تضع المهاجر كمتهم افتراضي، وتُهمل جذور الأزمة المتمثلة في غياب بدائل تنموية حقيقية بالمناطق المنكوبة.
في وقت تزداد فيه التحركات الإسبانية لتكريس واقع الاحتلال في سبتة ومليلية، يطرح الرأي العام المغربي سؤالًا ملحًا: لماذا يستمر الصمت الرسمي؟ وأين هي مبادرات إعادة طرح الملف أمام المنتظم الدولي؟ وهل يجوز أن تُختزل السيادة في صفقات حدودية ومنافع أمنية آنية؟
المدينتان ليستا نقطتي عبور فقط، بل رمزان لهوية وطنية لا تسقط بالتقادم، ولا تُقايض مهما كانت طبيعة التحالفات أو الضغوط الجيوسياسية.
إن ما تُسميه مدريد بـ”الحدود الآمنة” ليس سوى استقرارًا زائفًا يستند إلى توازنات ظرفية. أما الأمن الحقيقي، فيبدأ بإقرار الحق المغربي الكامل في سبتة ومليلية، ووقف كل مظاهر التمييع السياسي لقضية سيادية بامتياز.
فلا “هدوء” ولا “تعاون” يمكن أن يُطمس حقيقة ساطعة: المدينتان جزء لا يتجزأ من التراب الوطني المغربي، وستظلّان كذلك، مهما طال الاحتلال، ومهما كثرت اتفاقيات “الأمن” على حساب الكرامة والحق التاريخي.
06/08/2025