kawalisrif@hotmail.com

النظام الجمركي بين الانتقائية والتمييز : الناظور تحت الحصار … “حلال على البيضاء وطنجة، وحرام على جهة الشرق !”

النظام الجمركي بين الانتقائية والتمييز : الناظور تحت الحصار … “حلال على البيضاء وطنجة، وحرام على جهة الشرق !”

على تخوم الجغرافيا، حيث تنتهي خرائط التنمية وتبدأ مناطق النسيان، تقف الناظور اليوم كمدينة محاصَرة، ليس فقط بجغرافيا الإقصاء، بل أيضًا بسياسات تُدار بعقلية الريبة والعقاب. فمنذ إغلاق معبر بني أنصار، وتجميد الحركة في فرخانة والحي الصيني، تحوّل الشرق برمّته إلى “منطقة ظل” تُخنق أحياؤه التجارية، ويُحاصر اقتصاده، ويُنظر إليه بعدسة أمنية صارمة بدل عدالة تنموية متوازنة.

منذ أن أُحكم إغلاق معبر مليلية، توقف كل شيء في الناظور… باستثناء خطاب تبريري رسمي، يعلّق كل الأزمات على شماعة “التهريب المعيشي”، وكأن الدولة قد انتصرت على اقتصاد الظل، دون أن تُكلّف نفسها عناء توفير بديل اقتصادي مشروع.

أبناء الناظور والمغرب الشرقي عمومًا لا يطالبون بامتيازات، بل فقط بالمساواة مع نظرائهم في طنجة أو الدار البيضاء، ومناطق أخرى … حيث التجارة الحرة والتسهيلات الجمركية والخدمات اللوجستية تسير بانسيابية تجعل التنمية واقعًا يوميًا، لا حلمًا مؤجلًا.

في هذا السياق المأزوم، قرّر المكتب الممثل لعدد من مستثمري الجهة، ضمن سلسلة الأشكال النضالية، إلغاء وقفة احتجاجية تصعيدية للتعبير عن المطالب المشروعة والتذكير بالوعود السابقة. وبعد إشعار السلطات، عُقد لقاء مع أحد مسؤولي عمالة الناظور، الذي رتّب اجتماعًا مع المدير الجهوي للجمارك لبحث الملف المطلبي وتقريب وجهات النظر.

استجابةً للدعوة، حضر أكثر من سبعة أعضاء من الائتلاف، وعرضوا أمام الإدارة الجمركية بجهة الشرق أبرز الإكراهات التي تواجه الاستثمار، مؤكدين على ضرورة الوفاء بالالتزامات السابقة، وعلى أن وحدة الصف بين المستثمرين هي سر قوتهم. وذكّروا بأن المنطقة تعرف تراجعًا اقتصاديًا ملحوظًا مقارنة بالماضي، وأنهم شركاء استراتيجيون في دفع عجلة التنمية، متسائلين: “أولسنا أهلًا لرحمتكم بعد كل ما قدمناه لوطننا عبر محطات سُطّرت بمداد من ذهب؟”

ورغم أن اللقاء لم يكن كافيًا لتفصيل كل النقاط العالقة، إلا أن الرسالة كانت واضحة: المطالب ثابتة، وتحقيقها يحتاج إلى صبر ووحدة، بعيدًا عن التفاصيل الجانبية. لكن اللقاء لم يُبدّد الشكوك، وبدا أقرب إلى جس النبض منه إلى أرضية اتفاق. وعندما طرح أحد المستثمرين إشكالية التلاعب في “شهادة المنشأ”، تحوّل النقاش إلى ما يشبه “محكمة تحقيق مفتوحة”، انغلق فيها الحوار على نقطة واحدة، فيما ظلت الملفات الأعمق معلقة.

السؤال الذي ظل يتردد: لماذا يُعاقَب من يشتغل في إطار القانون؟ لماذا تُفتح الأبواب في البيضاء وتُغلق في الشرق؟ ألسنا جميعًا تحت مظلة الدولة نفسها والدستور نفسه والرؤية الملكية نفسها؟

في طنجة، تُفتح الموانئ وتُطلق المناطق الحرة ويُفرش السجاد الأحمر أمام المستثمرين. في الدار البيضاء، تُكسر القيود خدمة لعجلة الاقتصاد. أما في الناظور، فكل إجراء مشروط بتعليل، وكل تعليل محكوم بتأويل، وكل تأويل مهدَّد بالتأجيل… إلى أن يُجهز على ما تبقى من أمل.

هنا، تبدو المدينة وكأنها تحت “طوارئ اقتصادية” غير معلنة. الحاويات تُفتَّش وتُراجَع وتُعلَّق لأسباب غامضة، في وقت تمر فيه نفس المعاملات، بنفس الوثائق، بسلاسة في موانئ أخرى.

أحد المستثمرين الذين تعذّر عليهم الحضور قال: “نحن لا نطالب بمعجزة، بل نطلب عدالة ترابية، ووضوحًا في الإجراءات، واحترامًا لمبدأ المساواة أمام القانون. نحن مستوردون نشتغل داخل الإطار القانوني، ولسنا متهمين في قفص الرقابة الدائمة. نريد إدارة تُصغي، لا تُلقِّن. تُبادر، لا تُبرر.”

إن رؤية جلالة الملك التنموية، التي أكدت دائمًا على العدالة المجالية ودمج كل الأقاليم في دينامية الإصلاح، تمثل البوصلة التي يتطلع أبناء الناظور والشرق إلى ترجمتها على أرض الواقع، بعيدًا عن عراقيل الإدارات ودوامة الانتقائية الجمركية.

رعايا جلالته في هذه الربوع لا يلتمسون امتيازًا، بل يطلبون تنزيلًا عاجلًا لهذه الرؤية السامية، وانطلاقة حقيقية تعيد للمنطقة مكانتها كمحور استراتيجي في التجارة واللوجستيك والصناعة. فهم على يقين أن الإرادة الملكية لا تعرف التمييز بين البيضاء وطنجة والشرق، وأن ساعة الإنصاف قد حان أوانها.

رسالتهم واضحة: لقد صبرنا، وتحملنا، وأثبتنا انتماءنا، وآن الأوان أن تتحرر الناظور من حصارها الاقتصادي، وتنطلق في مسار تنموي يليق بتاريخها وموقعها، تحت راية الوطن الواحد وقيادة ملكه العادل.

08/08/2025

Related Posts