kawalisrif@hotmail.com

سوق القطانين بفاس: نبض تاريخي يمتزج بالتراث والحكايات العريقة

سوق القطانين بفاس: نبض تاريخي يمتزج بالتراث والحكايات العريقة

لا يزال سوق القطانين بمدينة فاس يحتفظ بمكانته المرموقة ضمن أسواق المدينة القديمة للعاصمة العلمية للمملكة، رغم مرور قرون على ازدهار صناعات الغزل والنسيج التي كانت تصدر أثوابها وملابسها الجاهزة إلى إفريقيا والشرق وجنوب أوروبا. فقد كان السوق في أوج مجده مركزاً رئيسياً لصناعة النسيج جعل من فاس قبلة لاجتذاب الزوار والرحالة من شتى الأرجاء، حيث ازدهرت فيه فنون الطرز والتضريس وورش الغزل وصباغة الأقمشة، إلى جانب تربية دود الحرير. واستمر السوق يحتل مكانته كمنصة لاقتناء القطن والأثواب حتى منتصف القرن التاسع عشر، قبل أن يتحول تدريجياً إلى مركز تجاري متنوع يستضيف محلات تجارية كبرى ونواباً تجارياً من جنسيات مختلفة، من بينهم يهود ومغاربة، إضافة إلى بنوك دولية وصيدلية أوروبية تعد الأولى في المدينة القديمة.

إلى جانب النشاط التجاري، حمل السوق تاريخاً إنسانياً معقداً، إذ كان موقعاً لتجارة العبيد التي استمرت حتى أوائل القرن العشرين، حيث احتفظت بعض أبنيته كـ”فندق البركة” ودار عبد الرحمان القصري بدور احتجاز العبيد، الذين جلبوا من مناطق نائية في إفريقيا أو القبائل الجنوبية، وتم عرضهم للبيع في أسواق المدينة. وكانت هذه التجارة تتم عبر شبكات خطف وتهريب تعمل تحت إدارة قواد وعصابات، وكان استعمال العبيد شائعاً حتى بين المسلمين، مما يسلط الضوء على جانب مظلم من تاريخ المدينة. ومع إغلاق أسواق النخاسة في 1923 بقرار من سلطات الحماية الفرنسية، تغيرت معالم السوق ومهامه، لكنه ظل شاهداً على هذه الفصول المتنوعة من التاريخ الفاسي.

ينسجم سوق القطانين مع محيطه التاريخي والثقافي الغني، حيث يقابله حمام بن عباد العريق الذي يحمل بصمات العمارة المغربية-الأندلسية ويُنسب إلى الإمام الصوفي محمد بن عباد النفزي. كما تحتضن المنطقة الزاوية الكتانية التي أسستها أسرة فاسية عريقة في العلوم والتصوف، وما زالت تحمل إرثها الروحي والسياسي حتى اليوم. تزخر ذاكرة السوق بالقصص والأساطير الشعبية التي تختلط بين الواقع والخرافة، مثل رواية “زقاق البغل” المرتبطة بالشاعر عبد العزيز المغراوي، والتي تعكس عمق التراث الشعري والروحي لفاس. وبين جمال الحرف التقليدية التي ما زالت تحتفظ بحرفييها المتمكنين في خياطة القفاطين والجلاليب، يظل سوق القطانين نبراساً حياً يروي قصة مدينة فاس العريقة بجمالها وتعقيداتها عبر الزمن.

09/08/2025

Related Posts