kawalisrif@hotmail.com

ميناء بني أنصار بالناظور :    شهادة المنشأ وجبروت الجمارك – شركات مغربية تدفع الثمن

ميناء بني أنصار بالناظور : شهادة المنشأ وجبروت الجمارك – شركات مغربية تدفع الثمن

في معركة التجارة الدولية التي باتت أكثر تعقيدًا وتشابكًا، لم تعد شهادة المنشأ مجرد وثيقة تقنية تُثبت أصل المنتج، بل تحولت إلى أداة استراتيجية لضمان استدامة التنافسية الاقتصادية، ورافعة لبناء جسور التعاون التجاري بين المغرب وأوروبا، خصوصًا مع الجار الإسباني الذي يمثل بوابة حيوية للأسواق العالمية.

وعليه، تبرز أهمية التنسيق بين إدارة الجمارك المغربية ونظيرتها الإسبانية، على غرار ما يجري مع أجهزة الجمارك في دول أخرى، علمًا أن المنظمة العالمية للجمارك تُعنى بوضع التشريعات والمساطر التي تنظم التجارة العابرة للحدود.

المسألة ليست إجراءً إداريًا بحتًا، بل رهان اقتصادي واستراتيجي ينعكس مباشرة على قطاعات حيوية في المغرب، خاصة في ثلاث جهات أساسية: الشرق، فاس-مكناس، والجنوب الشرقي. هذه الجهات مرشحة لتصبح قريبًا محركات تنموية قادرة على استقطاب الاستثمارات وتعزيز النسيج الاقتصادي الوطني، إذ إن تسهيل التبادل التجاري مع أوروبا والعالم يمثل شريانًا أساسيًا لنموها.

لكن الواقع الحالي يكشف أن الإشكال لا يكمن في أصل المنتجات المستوردة، بل في آليات المراجعة غير الموحدة التي تعتمدها الجمارك الإسبانية، والتي تحكمها أحيانًا اعتبارات إجرائية متباينة تفتقر إلى الشفافية والوضوح، مما يفرز تناقضات خطيرة على مستوى المصالح الاقتصادية.

فعلى سبيل المثال، حين رفضت الجمارك الإسبانية الاعتراف بإسبانية إحدى شهادات المنشأ، تبيّن أن الأمر ليس حالة استثنائية، بل مؤشر على خلل أوسع. فالمغرب أرسل أكثر من 12 شهادة لنفس المنتج والمصدر، ليأتي الرد الإسباني بأن جميعها صحيحة ومطابقة! هذا التناقض يفضح غياب منهجية موحدة لدى الجانب الإسباني، الأمر الذي يُفقد العملية الجمركية مصداقيتها ويضع المستورد المغربي في موقع الضعيف والمتهم ظلمًا.

الأدهى أن إدارة الجمارك المغربية، رغم إدراكها لهذه التفاوتات وحيازتها حججًا قانونية داعمة للشركات المتضررة، ما تزال تدور في حلقة مفرغة من التسويف والتأجيل، مكتفية بحلول مالية مؤقتة بدلًا من معالجة جوهر الإشكال بإصلاحات حقيقية.

هذا التردد الإداري لا يضر فقط بالشركات التي تكبدت خسائر مادية ومعنوية فادحة، بل يُعمّق أزمة الثقة بين المستثمرين والدولة، في وقت يحتاج فيه المغرب إلى تعبئة كل طاقاته لدفع عجلة اقتصاده، خاصة عبر الاستثمار في الجهات التي تمثل حواضن للنمو.

حتى الأحكام القضائية الابتدائية التي صدرت لصالح بعض الشركات لم تغيّر من الواقع شيئًا، إذ بقي الملف عالقًا، ما يعكس ضعف الإرادة في التعامل مع قضية تمس بشكل مباشر قدرة المغرب على جذب الاستثمار وضمان استقرار نشاطه التجاري.

إن الحل يكمن في مراجعة شاملة لآليات العمل الجمركي، وتعزيز التنسيق مع الجانب الإسباني لوضع إطار واضح وموحد للمعايير، يضمن حقوق الأطراف كافة ويؤسس لعدالة الإجراءات، بدلًا من بقاء الإدارة الجمركية في موقع المتفرج أو المساهم في تعقيد الأزمة.

المغرب، وهو يواجه رهانات تنموية كبرى، لا يحتمل استمرار هذا الوضع الذي يجعل من الجمارك عبئًا على الاقتصاد الوطني، ويحرمه من فرص استثمارية واعدة في مناطق تشكل قلاعًا للتنمية.

وعلّق أحد المتابعين مازحًا: “أين أيام السي بلبشير وأبروز، أفضل وأعظم مسؤولي الجمارك في الشمال والمغرب الشرقي؟ مسيرة حافلة بالكاريزما، الإنصات، التفاعل، المواكبة، والاستباق، مع تدخلات ذكية.”

لقد آن الأوان لإدارة الجمارك المغربية أن تستلهم هذا النموذج، وأن تدرك أن صمتها وترددها في معالجة هذا الملف لا يضعف فقط مصالح المستثمرين في المغرب الشرقي والريف، بل يُقوّض أسس التنمية في هذه المناطق، ويغذي الإحباط لدى من يبنون الاقتصاد الوطني بأيديهم. فالجمرك، في جوهره، يفترض أن يكون ميسرًا وداعمًا، لا عائقًا مثبطًا. وإذا استمرت الإدارة الجمركية على هذا النهج، فإنها بذلك تُقوّض مستقبلًا اقتصاديًا مستقرًا وتضع حواجز يصعب تجاوزها بين المغرب ومصالحه الحيوية في أوروبا.

الوقت الآن ليس للأعذار، بل للقرارات الجريئة والإصلاح الحقيقي.

09/08/2025

Related Posts