kawalisrif@hotmail.com

“جدل في إسبانيا حول منع الطقوس الدينية.. المجلس الأعلى لحقوق الإنسان يطالب بتفسيرات من رئيسة جماعة جوميّا

“جدل في إسبانيا حول منع الطقوس الدينية.. المجلس الأعلى لحقوق الإنسان يطالب بتفسيرات من رئيسة جماعة جوميّا

“حرية الدين بين القوانين والواقع: التحديات التي تواجه الطوائف الدينية في الفضاءات العامة”

وجه المجلس الأعلى لحقوق الإنسان، عبر ممثلته “آنجيل غابيلوندو”، طلباً رسمياً إلى رئيسة جماعة جوميّا بمدينة مورسيا، السيدة “سيفي غونزاليس”، يطالبها فيه بتقديم توضيحات مفصلة بشأن القرار الأخير الذي يقضي بمنع الاحتفالات الدينية داخل المرافق الرياضية والفضاءات العمومية التابعة للجماعة.

ويأتي هذا الطلب في إطار حرص المجلس على الاطلاع الكامل على حيثيات هذا القرار، خصوصاً الإجراءات التي اعتمدتها الجماعة لتسهيل ممارسة الشعائر الدينية في الأماكن العمومية مثل القاعات الرياضية والملاعب، مع تركيز خاص على الطقوس الدينية التي تمثل ضرورة لبعض الطوائف، وعلى رأسها الطائفة المسلمة، التي تشكل جزءاً لا يتجزأ من النسيج الاجتماعي الإسباني.

وكانت جماعة جوميّا، التي يهيمن عليها حزب “الشعب”، قد صادقت على قرار يقيد إقامة الأنشطة الدينية والثقافية والاجتماعية غير المرتبطة مباشرة بالجماعة، داخل الملاعب والقاعات الرياضية، من بينها الصلوات التي ينظمها المسلمون بمناسبة عيد الفطر، مما أثار ردود فعل متباينة على الصعيدين السياسي والمجتمعي.

ويجدر الإشارة إلى أن هذا القرار، الذي بادر به حزب “ڤوكس” اليميني المتشدد، قد نال دعم حزب “الشعب” بعد تعديله ليصبح أقل صرامة، بحيث لم يعد يمنع الطقوس الإسلامية صراحة، بل اقتصرت قيود القرار على استخدام الملاعب لهذه الأنشطة. ورغم أن حزب “فوكس” لم يصوت لصالح القرار، إلا أنه أعرب عن رضاه بالنتيجة النهائية، مما يعكس تحولات وتوازنات داخل المشهد السياسي المحلي.

من جانبها، أكدت رئيسة جماعة جوميّا أن هذه القيود لا تطال باقي المرافق العمومية، التي تبقى مفتوحة لجميع المواطنين، بمن فيهم المسلمون، لممارسة أنشطتهم الدينية والثقافية، شريطة احترام القوانين المعمول بها، في محاولة لتخفيف حدة التوتر.

وفي سياق متصل، عبّر المتحدث باسم حزب “الشعب” في برلمان كتالونيا، السيد “خوان فرنانديز”، عن “احترامه التام” لقرار جماعة جوميّا، واعتبر أن التنظيم المنضبط لمثل هذه الأنشطة ضروري لإرساء نموذج اندماجي في إسبانيا، يقوم على احترام القوانين والدستور، مع حماية حرية وكرامة الجميع، لا سيما فيما يتعلق بالممارسات الدينية والتقاليد.

وشدد فرنانديز على أن النقاشات السابقة في كتالونيا حول الحجاب وغيرها من الرموز الدينية تهدف إلى ضبط الممارسات بما يضمن حقوق وحريات المرأة دون المساس بها، في تأكيد على حساسية الموضوع ومضاعفاته المجتمعية.

ختاماً، تبدو حرية التعبير الديني في الفضاءات العمومية في إسبانيا مرهونة بمعايير ضيقة، حيث تُسمح الممارسة الدينية طالما لا تُزعج “راحة” من يقررون ما هو مقبول وما هو مرفوض، في وقت باتت فيه الملاعب والقاعات وكأنها محميات خاصة لفئة معينة لا للمجتمع برمته. وفي زمن تعيش فيه المجتمعات الغربية عامة والإسبانية خاصة صعوبات كبيرة في التوفيق بين حماية الحقوق والحريات، والتحكم والحد منها، يتحول مفهوم “الاندماج” أحياناً إلى مجرد مطية لتعميق القيود، فيما تبقى كرامة الأفراد تنتظر مواقف حقيقية تتجاوز المجاملات الشكلية وادعاءات الحماية.

وبالنظر إلى الواقع المغربي الذي يشترك مع إسبانيا في ملف الجالية المغربية الإسلامية، فإن هذه التطورات تطرح تساؤلات جوهرية حول كيفية إدارة التعدد الثقافي والديني في فضاءات عمومية مشتركة، وضرورة التوازن بين احترام التقاليد الدينية وحقوق الإنسان، مع الحرص على تعزيز قيم التسامح والعيش المشترك. إن المغرب، الذي ينعم بتجربة متقدمة في مجال الحوار بين الأديان والتعايش السلمي، مطالب اليوم أكثر من أي وقت مضى بإبراز هذه التجربة كنموذج يُحتذى به في مواجهة تحديات الحرية الدينية وتنظيمها بما يحفظ كرامة الجميع ويقوي اللحمة الوطنية.

09/08/2025

Related Posts