أصدرت المحكمة الدستورية قراراً حاسماً بعدم دستورية عدة مواد في مشروع قانون المسطرة المدنية رقم 02.23، الذي أقرّه البرلمان في قراءته الثانية خلال يونيو الماضي. وجاء القرار بعد مراجعة مستفيضة لعدد من المقتضيات، لا سيما المادة السابعة عشرة التي أثارت جدلاً واسعاً، إذ تمنح النيابة العامة حق الطعن في الأحكام القضائية النهائية، ما اعتبره المختصون مساساً بحق الدفاع وخرقاً لمبدأ فصل السلطات المنصوص عليه في دستور 2011. وقد رحّبت وزارة العدل بالقرار معتبرةً إياه تعبيراً عن نضج المؤسسات الدستورية وروح التعاون بين السلط، مع تأكيد التزامها بمواصلة تعديل التشريعات لتتماشى مع مبادئ الدستور وتحقيق الأمن القضائي.
وعلق عبد اللطيف مستكفي، أستاذ القانون الدستوري والعلوم السياسية، بأن قرار المحكمة يعكس دورها الفعال في حماية دولة الحق والقانون، لكنه يطرح في الوقت ذاته تساؤلات عميقة حول جودة الحكامة التشريعية ومركزية البرلمان في صياغة القوانين. وأشار إلى أن المادة السابعة عشرة تشكل انتهاكاً مزدوجاً؛ أولاً لأنها تفتك بحق الدفاع المكفول دستورياً، وثانياً لأنها تتعدى على اختصاصات السلطة القضائية المستقلة وفق مبادئ مونتيسكيو، مما يهدد جوهر الفصل بين السلط ويقوض استقلال القضاء.
من جانبه، وصف محمد الهيني، خبير في العدالة وحقوق الإنسان، قرار المحكمة بأنه حدث تاريخي يسدل الستار على نقاش دستوري طال أمده حول مشروع قانون المسطرة المدنية. وأكد أن القانون فقد صفة الوحدة التشريعية، مما يستوجب من الحكومة إعداد مشروع جديد يعيد الاعتبار للشرعية الدستورية والحقوق الأساسية، خصوصاً ضمانات الدفاع وحرمة مؤسسة الدفاع. كما قدم الهيني قراءة معمقة للتوجهات الثمانية للقرار، متوقفاً عند أبرز القضايا مثل عدم دستورية منح النيابة العامة صلاحية طلب إلغاء الأحكام دون قيود، والإجراءات غير المهيكلة في التبليغ والتقاضي عن بُعد، والتحصين غير المبرر لبعض القرارات، إضافة إلى عدم دستورية إحالة وزير العدل الطعون أمام محكمة النقض وتدبير النظام المعلوماتي للمحاكم من طرف الوزارة.
10/08/2025