شهدت أسواق الذهب العالمية اضطراباً غير مسبوق، الجمعة الماضية، إثر تسرب أنباء عن قرار مبدئي لهيئة الجمارك وحماية الحدود الأمريكية بفرض رسوم جمركية على واردات سبائك الذهب، ما هزّ أحد أكثر الأسواق المعدنية استقراراً. القرار، الذي أُبلغت به شركة تكرير سويسرية في 31 يوليو وكُشف عنه لاحقاً، دفع العقود الآجلة للذهب في نيويورك إلى مستويات قياسية قبل أن تتراجع سريعاً، عقب تلميحات من إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بعدم المضي في فرض هذه الرسوم. ووفق تقرير لوكالة “بلومبرغ”، فإن مجرد الإعلان عن هذه الخطوة كان كفيلاً بشل منظومة تجارة الذهب العالمية التي تعتمد على شبكة دقيقة تربط البنوك والمصافي وشركات الشحن بين مراكز المال الكبرى، من لندن ونيويورك إلى دبي ومومباي وهونغ كونغ.
هذا التطور فجّر حالة من الجدل السياسي في سويسرا، أكبر مركز لتكرير الذهب في العالم رغم افتقارها لمناجم، والتي صدّرت إلى الولايات المتحدة ذهباً بقيمة 61.5 مليار دولار خلال 12 شهراً حتى يونيو الماضي، ما جعل المعدن النفيس أكبر صادراتها بنسبة 27% متجاوزاً الأدوية. الحجم الضخم لهذه الصادرات ساهم في اتساع الفائض التجاري السويسري مع الولايات المتحدة، وهو ما دفع بعض السياسيين في برن إلى تحميل قطاع الذهب جزءاً من مسؤولية تعثر المفاوضات التجارية مع واشنطن، التي ردّت بفرض رسوم انتقامية بنسبة 39% على واردات محددة، شملت الذهب بشكل مفاجئ. بينما دعا نواب من الوسط واليسار إلى فرض ضرائب خاصة على القطاع أو إعادة النظر في طرق الشحن، دافع ممثلو الصناعة عن دور سويسرا كمحور عالمي للتكرير، محذرين من أن المساس بالقطاع قد يضر بسمعة البلاد الاقتصادية.
الأزمة كشفت هشاشة آلية تجارة الذهب العالمية، القائمة على إعادة صهر السبائك الكبيرة المتداولة في لندن وتحويلها إلى سبائك صغيرة مطابقة لمعايير التسليم في نيويورك، وهي عملية منخفضة الربح لكنها حيوية لربط السوقين. ومع تهديد الرسوم، شهدت الصادرات تباطؤاً حاداً في الأشهر الأخيرة، ما أثار مخاوف من إغلاق مسارات رئيسية لتجارة المعدن النفيس. ورغم التصعيد الأولي، أعلنت الإدارة الأمريكية نيتها إصدار أمر تنفيذي لتوضيح موقفها، في خطوة اعتبرها محللون محاولة لطمأنة الأسواق، لكن مراقبين يستبعدون انتهاء الأزمة سريعاً، ويرجحون أن تدفع سويسرا إلى تنويع أسواقها وربما الاستثمار في منشآت تكرير داخل الولايات المتحدة كورقة ضغط في المفاوضات، وهو خيار لمّحت إليه شركات سويسرية كبرى مثل “MKS Pamp” التي تمتلك بالفعل عمليات في أوكلاهوما.
10/08/2025