في خضم تحولات اجتماعية وسياسية متسارعة، وتصاعد خطاب الكراهية والعنصرية، يعيش المغاربة في المهجر واقعاً صعباً لا يقتصر فقط على ظروف العمل القاسية، بل يتعداه إلى خسارة الأرواح وطمس الكرامة الإنسانية. فقد شهدت منطقة “بوزوهوندو” بمقاطعة “ألباسيتي” الإسبانية، أول أمس الجمعة ، حادثة مأساوية راحت ضحيتها نادية، عاملة زراعية مغربية شابة من بلدة خوميا، التي لقيت مصرعها تحت آلة زراعية ضخمة أثناء قيامها بعملها .
الخارجية المغربية، التي يُفترض أن تتحمل مسؤولية رعاية أفراد الجالية في الخارج، تواجه اليوم تحديات قانونية وتنظيمية تعيق تنفيذ توجيهات ملكية سامية تعبر عن حرصها على مواطنيها. فغياب التأمينات والحماية الاجتماعية، بالإضافة إلى التعقيدات القانونية، يترك العديد من العمال في وضع صعب ، خصوصاً من لم يتمكنوا من الانخراط في نظم التأمين، مما يُحتم على عائلاتهم تحمل تكاليف باهظة تصل أحياناً إلى ملايين السنتيم من أجل نقل جثامينهم إلى الوطن أو دفنهم في بلدان الاستقبال، مع ما يرافق ذلك من معاناة نفسية ومادية.
نادية، التي كانت تمثل رمز الأمل لعائلتها الصغيرة ولجالية مغربية التي تعاني من ضغوطات اجتماعية وسياسية، عاشت ظروف غربة قاسية وسط موجة متصاعدة من التضييقات على الحقوق الدينية والاجتماعية، مثل حظر الصلاة الجماعية في الأماكن العامة، في مؤشر واضح على تصاعد الاستهداف للهوية والثقافة المغربية في إسبانيا. كما أن بيئة العمل في شركة “هيرمانوس لوكاس” الزراعية، التي يعمل فيها نصف سكان القرية، ليست بمنأى عن الصعوبات؛ إذ تنقل الشركة العمال في ظروف مرهقة وطويلة دون توفير ضمانات عمل كافية تضمن سلامتهم وكرامتهم.
حادثة وفاة نادية ليست الأولى هذا الموسم؛ فقد سبقتها وفاة عامل مسن في حادث مشابه تحت رافعة في مزرعة مجاورة، ما يسلط الضوء على هشاشة معايير السلامة المهنية وغياب الضمانات الأساسية في القطاع الزراعي، وهو ما يثير تساؤلات حول مدى احترام حقوق العمال وواجبات أصحاب العمل تجاههم.
وفي ظل هذه الخسائر الجسيمة، تغيب الاستجابة الفعلية من طرف المصالح القنصلية وسفارة المغرب في مدريد، التي تبدو منشغلة بإصدار بيانات رسمية لا تعكس واقع المعاناة اليومية للجالية، مما يثير استياءً عميقاً ويزيد من الشعور بالإهمال والخذلان.
يتجه السؤال اليوم إلى هذه المؤسسات الرسمية: هل ستظل مواقفها متفرجة وصامتة أمام مآسي أبناء الجالية؟ وهل سيحين الوقت لمراجعة السياسات المعتمدة وإحداث تغيير جذري يراعي قيم العدالة الاجتماعية وحماية حقوق الإنسان؟ أم أن الموت في الغربة سيظل مصيراً محتوماً تُغلفه الصمت واللامبالاة؟
المأساة لا تكمن فقط في آلة الزراعة القاتلة، بل في منظومة الجمود الإداري، والعنصرية المنظمة، وخطابات الكراهية التي تغذيها سياسات متصلبة تُهمّش الحقوق الأساسية لأبناء الوطن أينما كانوا.
وفي ظل تكرار هذه الحوادث المؤلمة، يبقى الأمل معقوداً على صوت العدالة والضمير ليعلو فوق صمت المسؤولين، وأن نرى تحركاً حقيقياً يوقف نزيف الأرواح ويعيد الكرامة لجاليتنا التي تستحق أكثر من وعود جوفاء وكلمات بلا مضمون.
العمال المهاجرون هم الحلقة الأضعف في هذه المعادلة القاسية، ويحتاجون إلى وقفة جادة ومسؤولة من جميع الأطراف المعنية، قبل أن تُسجل صفحات التاريخ أسماء ضحايا جدد في قوائم الصمت والخذلان.
10/08/2025