kawalisrif@hotmail.com

إسبانيا تُطلق إصلاحًا تاريخيًا في سياسات العمل والحماية الاجتماعية: خطوة قد تغيّر ملامح حياة آلاف المهاجرين

إسبانيا تُطلق إصلاحًا تاريخيًا في سياسات العمل والحماية الاجتماعية: خطوة قد تغيّر ملامح حياة آلاف المهاجرين

“من الحقول إلى قاعات الجامعات… المغاربة في إسبانيا ينتزعون اعترافًا تاريخيًا بدورهم في بناء الأمة”

 

في خطوة وُصفت بالمفصلية في مسار السياسات الاجتماعية، منح رئيس الحكومة الإسبانية بيدرو سانشيث الضوء الأخضر لإصلاح جذري يهدف إلى كسر الحلقة المفرغة التي طالما وضعت آلاف الأسر أمام خيارين أحلاهما مُرّ: إمّا العمل وخسارة المساعدات الاجتماعية، أو الاعتماد على الإعانات والتخلي عن فرص العمل.

الإصلاح، الذي تم اعتماده منتصف يوليوز، يُتيح لأول مرة الجمع بين الدخل الناتج عن العمل والمزايا الاجتماعية الأساسية، بما في ذلك إعانات المعيشة. وهو ما يشكل انفراجًا كبيرًا أمام الفئات الهشة التي كانت ترزح تحت ضغط اقتصادي دائم، وبينها نسبة وازنة من المهاجرين، وعلى رأسهم أبناء الجالية المغربية، التي تُعدّ الأكبر عددًا بين الجاليات الأجنبية في إسبانيا.

على مدى سنوات، واجه كثير من المهاجرين، خصوصًا العاملين في القطاعات الموسمية أو الهشة، معضلة متكررة: أي زيادة في الدخل قد تعني فقدان الدعم المالي الذي يضمن الحد الأدنى من المعيشة. هذه المعادلة أضعفت الحافز على العمل، وعمّقت الاعتماد على المساعدات، بدل أن تدفع نحو الاندماج الاقتصادي الفعلي.

اليوم، ومع إلغاء فترة الانتظار التي كانت تمتد لعامين قبل استعادة المزايا بعد العودة إلى العمل، وإلغاء التعارض بين الأجر والإعانات المخصصة لرعاية المعالين أو ذوي الإعاقة، باتت الطريق أكثر انفتاحًا أمام تشغيل فئات واسعة من المجتمع دون المساس بحقوقها الاجتماعية.

ولا يقتصر هذا الإصلاح على تعديل تقني لقوانين العمل والحماية الاجتماعية، بل يعكس تحوّلًا جوهريًا في الفلسفة السياسية، يقوم على دمج الحماية الاجتماعية بدينامية سوق الشغل. فبدل النظر إلى المساعدات كعبء على ميزانية الدولة، يُنظر إليها اليوم كأداة تمكين تتيح للفئات الضعيفة الانخراط في سوق العمل دون التخوف من فقدان الحد الأدنى من الأمان المعيشي.

كما ينسجم هذا التوجه مع إصلاحات موازية، أبرزها قانون الإعالة والإعاقة، الذي يسعى إلى إزالة الحواجز بين المزايا وفرص العمل، بما يمنح المستفيدين مجالًا أوسع لتحقيق الاستقلالية المالية.

ومن منظور مغربي، فإن هذا التحول يعيد الاعتبار لشريحة واسعة من أبناء الجالية المغربية، الذين شكّلوا، عبر عقود من الكد والاجتهاد، ركيزة أساسية في دورة الاقتصاد الإسباني. من الحقول الزراعية في الجنوب إلى المصانع وورش البناء في الشمال، ومن الملاعب الرياضية التي رفعت فيها الراية المغربية عاليًا، إلى قاعات الجامعات ومراكز البحث التي أضاءت الفكر والمعرفة، كان المغاربة دائمًا شركاء في البناء لا عابرين.

اليوم، ومع هذا الإصلاح، تُترجم إسبانيا عمليًا مبدأ الاعتراف المتبادل في العلاقات مع المغرب، ليس فقط عبر اتفاقيات السياسة والدبلوماسية، بل من خلال تمكين العنصر البشري الذي ظل، ولا يزال، جسرًا حقيقيًا بين ضفتي المتوسط. خطوة كهذه ليست مجرد سياسة اجتماعية، بل رسالة مفادها أن الاستثمار في كرامة المهاجر وأمنه المعيشي هو استثمار في استقرار المجتمع ككل، وفي مستقبل أكثر عدلًا وإنصافًا للجميع.

11/08/2025

Related Posts