kawalisrif@hotmail.com

أزمة التعليم في برلين.. حين تتحول المدرسة من فضاء للحرية إلى مصنع للامتثال

أزمة التعليم في برلين.. حين تتحول المدرسة من فضاء للحرية إلى مصنع للامتثال

في قلب العاصمة الألمانية برلين، تتصاعد مؤشرات أزمة تعليمية تتجاوز حدود المناهج والموارد، لتلامس جوهر السؤال: ما معنى التعليم؟ وما الغاية الحقيقية من المدرسة؟ بعد نحو عقدين من العمل في مجالات البحث والبيداغوجيا الاجتماعية والفنون، تتضح صورة لنظام يبتعد شيئًا فشيئًا عن عالم الأطفال، وعن احتياجاتهم الإنسانية العميقة، ليتحول من فضاء للاكتشاف والحرية إلى مؤسسة للتصنيف والانضباط. تقارير منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD) أكدت أن الأطفال من أصول مهاجرة هم الأكثر تضررًا، في ظل نظام لا يمنح موارد كافية ولا يتعامل بجدية مع التعدد اللغوي والثقافي، مما يكرس فجوات اندماجية ويحوّل مدارس بأكملها إلى بؤر للتهميش.

الخلل، كما يراه مفكرون مثل ريشارد دافيد بريشت، يكمن في استمرار نموذج تعليمي قديم يعود إلى القرن التاسع عشر، يركز على الطاعة والحفظ بدل الإبداع والتفكير النقدي، ويغفل الفروق الفردية بين التلاميذ. هذا النموذج يعزز سباقًا محمومًا نحو الدرجات على حساب شغف التعلم، ويختزل دور الطالب إلى متلقٍ مطيع، فيما تغيب مواد تزرع القيم وتنمي الخيال. المدرسة، بحسب فلاسفة مثل لوي ألتوسير، ليست مؤسسة محايدة، بل جهاز أيديولوجي يعيد إنتاج القيم الملائمة للسوق، ويكرس علاقات السلطة عبر تلقين الطاعة واحترام النظام، في حين يُهمَّش دور التجربة الشخصية والثقافة الأم في تشكيل هوية الطفل.

المطلوب، كما يشدد خبراء التربية، ليس مجرد ضخ موارد إضافية أو تحسين الاختبارات، بل إعادة تعريف العلاقة بين المعلم والطالب، وتوسيع مفهوم التعليم ليصبح فضاءً حراً يتعامل مع الخطأ كجزء من عملية النمو، ويضع الإبداع في قلب العملية التعليمية. في زمن كسرت فيه التكنولوجيا احتكار المدرسة للمعرفة، لم يعد المعلم ناقلاً وحيداً للمعلومة، بل مرشداً في عالم متغير، يستمع لأسئلة التلميذ قبل أن يلقنه الإجابات. التغيير الحقيقي يتطلب ثورة ثقافية تعيد للمدرسة دورها كحاضنة للخيال والشغف، أو كما لمح إيفان إيليتش، إفساح المجال للحياة لتستعيد لغات اللعب والدهشة كأول معلم حقيقي للإنسان.

12/08/2025

Related Posts