kawalisrif@hotmail.com

نداء لإصلاح جذري للمنظومة الانتخابية المغربية..بين عدالة التمثيل ومواجهة نفوذ المال السياسي

نداء لإصلاح جذري للمنظومة الانتخابية المغربية..بين عدالة التمثيل ومواجهة نفوذ المال السياسي

في مقال تحليلي مطول، دعا أستاذ القانون الدستوري والعلوم السياسية بجامعة سيدي محمد بن عبد الله بفاس، أمين السعيد، إلى إطلاق ورش وطني شامل لإصلاح المنظومة الانتخابية بالمغرب، مستلهما دعوته من الخطاب الملكي بمناسبة عيد العرش الذي اعتبره فرصة سانحة لفتح نقاش هادئ وبعيد عن ضغط الحملات الانتخابية. وأكد السعيد أن الإصلاحات التي شهدتها القوانين الانتخابية خلال العقدين الماضيين، رغم أهميتها، جاءت في الغالب متأخرة، مما قلّص من هامش النقاش العمومي وأبقى على اختلالات جوهرية تعيق تطور الممارسة الديمقراطية. وأبرز أن ظاهرة ما يعرف بـ”دوائر الموت” لم تعد كما كانت ساحة للتنافس بين زعامات تاريخية، بل تحولت إلى دوائر مترامية الأطراف ومعقدة ديمغرافيا، أفرزت بيئة خصبة لـ”الكائنات الانتخابية” التي تعتمد على المال والولاءات التقليدية بدل البرامج والرؤى السياسية، ما يضع عراقيل أمام مشاركة الكفاءات والشباب والنساء.

وتوقف السعيد عند نظام الاقتراع باللائحة الذي كان يهدف إلى تقوية الأحزاب، لكنه تعرض – حسب تعبيره – إلى “تحوير” من قبل الأعيان ليصبح أشبه بالاقتراع الفردي المقنع، وهو ما أفرغ الإصلاح من جوهره. وانتقد التوجه نحو توسيع الاقتراع الفردي في الجماعات المحلية، معتبرا أن هذا الخيار يعزز نفوذ الأشخاص على حساب المؤسسات الحزبية. ودعا إلى مراجعة شاملة للتقطيع الانتخابي استنادا إلى معطيات الإحصاء العام للسكان لسنة 2024، بما يحقق التوازن بين عدد السكان والمقاعد المخصصة لكل دائرة، وضمان عدالة تمثيلية تقلل من التفاوتات الصارخة بين المناطق. كما اقترح تعميم تجربة تقسيم الأقاليم الكبرى، كما جرى في تارودانت وتاونات، على أقاليم أخرى مثل سطات وخريبكة وبني ملال وآسفي، بهدف تقليص النفوذ المالي وتحفيز المنافسة على أساس البرامج لا الولاءات.

وفي سياق عقلنة المشهد الحزبي، تناول السعيد مسألة العتبة الانتخابية التي تثير جدلا متواصلا بين الأحزاب، مشيرا إلى أن رفعها لن يضر بالتعددية السياسية في المغرب نظرا للتقارب الكبير في برامج الأحزاب، بل قد يحد من البلقنة الحزبية ويسهم في تشكيل أغلبيات ومعارضات قوية ومنسجمة. كما دعا إلى نقاش جاد حول القاسم الانتخابي لتفادي تشتت الأصوات وضمان أغلبية منسجمة، مع التركيز على مواكبة التحولات الرقمية وتحديات الذكاء الاصطناعي عبر رقمنة جميع مراحل العملية الانتخابية، من التسجيل إلى إعلان النتائج، بما يعزز الشفافية والنجاعة ويحمي من التضليل الرقمي.

ولم يغفل السعيد البعد الاجتماعي في العملية الانتخابية، إذ اقترح تدابير استثنائية ومؤقتة لتشجيع مشاركة الشباب والنساء، سواء من خلال تخصيص دوائر محجوزة لهم، أو منح تحفيزات مالية للأحزاب التي تزكيهم على رأس القوائم، أو حتى إحداث لائحة وطنية للكفاءات. كما شدد على ضرورة التصدي الصارم لاستعمال المال في شراء الأصوات والتأثير على إرادة الناخبين، من خلال تشديد العقوبات وتوسيع المراقبة المستقلة وتفعيل ثقافة الطعون القضائية.

واختتم السعيد دعوته بالتأكيد على أن نجاح أي إصلاح انتخابي لن يتحقق بمجرد تعديل النصوص القانونية، بل يتطلب التزاما حقيقيا من الأحزاب السياسية بوضع معايير صارمة في منح التزكيات، وتقديم الأولوية للكفاءات النزيهة القادرة على الانخراط في المسار الديمقراطي، محذرا من استمرار الرهان على “الكائنات الانتخابية” التي تفرغ الإصلاح من مضمونه وتكرس فقدان الثقة في العمل السياسي. ورأى أن إصلاح المنظومة الانتخابية، في ظل التحولات السياسية والرقمية الراهنة، هو المدخل الأساس لإعادة بناء الثقة بين المواطن والمؤسسات وضمان مشاركة أوسع في الحياة العامة.

13/08/2025

Related Posts