لم يكن صباح الاثنين هادئًا كما اعتاد السكان على ضفاف الأمازون. فبدل أصوات الطيور وخرير المياه، خطف الأنظار مشهد غير مألوف: العلم الكولومبي يرفرف على سارية من الخيزران، مغروس في تراب جزيرة “تشينيريا” التابعة للپيرو.
لم يطل الوقت حتى انكشف الفاعل: دانييل كينتيرو، العمدة السابق لمدينة ميديين والمقرّب من الرئيس الكولومبي غوستافو بيترو، الذي لا يخفي طموحه للوصول إلى الرئاسة. كينتيرو نشر مقطع فيديو قصير على منصة X، ظهر فيه وهو يرفع العلم قائلاً: “لن أسمح بأن يضيع نهر الأمازون من أيدينا لصالح البيرو… لقد سرقوا منا ما يكفي، من بنما إلى بحر سان أندريس”.ثم ختم بتصعيد واضح: “الوطن أو الموت”.
حادثة رفع العلم لم تكن سوى الفصل الثالث في سلسلة من الاستفزازات. قبلها بأيام، حلّقت طائرة عسكرية كولومبية داخل الأجواء الپيروفية دون إذن، وهو ما اعتبرته ليما “انتهاكًا خطيرًا للسيادة”. تلا ذلك محاولة دخول قوة من الشرطة الكولومبية إلى سانتا روزا، أوقفتها البحرية البيروفية بلا مواجهة مسلحة.
هذه التطورات جعلت العلاقات بين البلدين على المحك، خاصة مع غياب السفراء منذ 2023 والاكتفاء بتمثيل دبلوماسي محدود.
وزارة الخارجية الپيروفية ردت بلهجة حازمة، مؤكدة أن “مثل هذه الأفعال لا تخدم التعايش السلمي”. فيما دعا مسؤولون محليون إلى إعلان كينتيرو “شخصًا غير مرغوب فيه”. أما الرئيسة دينا بولوارتي، التي كانت في جولة آسيوية، فاكتفت بجملة مقتضبة: “لا نزاع هنا… سانتا روزا أرض بيروفية”.
يحذر خبراء العلاقات الدولية من أن السياسة التصعيدية التي ينتهجها بيترو قد تعيد شبح المواجهة إلى الأمازون بعد عقود من الهدوء النسبي. القوات البيروفية أعلنت استنفارًا شاملاً، ودوريات عسكرية تجوب المنطقة ليل نهار، في مشهد وصفه السكان بأنه “رقصة على حافة الهاوية” قد تنتهي بانزلاق خطير.
من الرباط، تتابع المملكة المغربية هذه التطورات بحذر، وهي التي خبرت معنى التوترات الحدودية ووزن السيادة الوطنية. فالتجربة المغربية مع الأزمات الإقليمية تؤكد أن شرارة صغيرة على أطراف الخريطة قد تتحول إلى نار تأكل الأخضر واليابس إذا غاب صوت العقل. وفي عالم يتقلب على وقع النزاعات، تبدو سانتا روزا اليوم مرآة لتحديات أكبر، حيث اختبار الحكمة والدبلوماسية هو ما سيحسم مصير الأمازون… والعبرة لمن يعتبر.