kawalisrif@hotmail.com

“بدون سوء نية” … بائع قهوة متنقل بشفشاون يحوّل مئات الهكتارات إلى رماد

“بدون سوء نية” … بائع قهوة متنقل بشفشاون يحوّل مئات الهكتارات إلى رماد

في قلب جبال شفشاون الساحرة، حيث كانت الغابات تزين الأفق بلونها الأخضر، تحوّل المشهد فجأة إلى لوحة من اللهب والدخان. لم يكن أحد ليتخيل أن قرارًا طائشًا من بائع قهوة متنقل، وهو يحرق “الݣوبليات” الورقية المستعملة، سيطلق العنان لكارثة بيئية بحجم وطني، تلتهم الطبيعة وتغتال سحر المكان.

في لحظات، اشتعلت النيران وتسللت بسرعة عبر الغطاء النباتي الجاف، لتتحول إلى موجة نارية هائجة لا تعرف الرحمة. حاول البائع المرتبك إخمادها، لكن النيران كانت أسرع من يديه، وأقوى من محاولاته البائسة. وفي أقل من ساعة، أصبح الحريق يزحف على مساحات شاسعة، مهددًا الغابة والقرى المجاورة، ليعلن بداية معركة شرسة بين الإنسان والنار.

استنفرت الدولة كل طاقاتها: مئات من عناصر الوقاية المدنية، والقوات المساعدة، والدرك الملكي، مدعومين بأسطول جوي يضم أربع طائرات “كنداير” وأربع “توربو تراش”، في مواجهة استمرت يومين كاملين. كانت المعركة صعبة، والدخان يغطي السماء، بينما أصوات الطائرات وهدير خراطيم المياه لا يتوقف.

لكن الخسائر كانت فادحة: حوالي 500 هكتار من الغطاء الغابوي والمسطحات الخضراء أُبيدت، وأراضٍ زراعية تعود لفلاحين بسطاء تحولت إلى رماد. الأشجار المعمّرة، الطيور، والحيوانات البرية… كلها دفعت الثمن. النظم البيئية تضررت بشدة، وفُقد جزء مهم من التنوع البيولوجي الذي يميز المنطقة. أما البيئة، فتلقت ضربة موجعة بتلوث الهواء والمياه وتدهور التربة، فضلًا عن انبعاث كميات ضخمة من الكربون، ما يفاقم مخاطر التغير المناخي.

السلطات أوقفت المتسبب فورًا، وفتحت تحقيقًا قد يضعه خلف القضبان لسنوات طويلة. لكن الجرح الذي تركته هذه الكارثة سيبقى مفتوحًا، ليس فقط في الأرض، بل في ذاكرة كل من شهد كيف يمكن لإهمال لحظي أن يدمّر ثروة طبيعية بُنيت عبر مئات السنين.

هذه ليست قصة بائع قهوة ونار صغيرة … بل هي حكاية وطن خسر قطعة من روحه، وجرس إنذار بأن البيئة ليست ترفًا، وأن حمايتها مسؤولية جماعية لا تقبل الاستهتار.

14/08/2025

Related Posts