kawalisrif@hotmail.com

حرائق غابات إسبانيا تصل إلى معترك السياسيين … صراع سانشيز وبوتشدمون وأوريولس يشتعل

حرائق غابات إسبانيا تصل إلى معترك السياسيين … صراع سانشيز وبوتشدمون وأوريولس يشتعل

تعيش إسبانيا مرحلة دقيقة تتداخل فيها الأزمات الميدانية مع الحسابات الانتخابية، وتتشابك ملفات الداخل مع رهانات السياسة الخارجية. فبينما تتبادل حكومة بيدرو سانشيز وحزب الشعب الاتهامات وسط حرائق الغابات التي التهمت آلاف الهكتارات هذا الصيف، يخيّم صمت ثقيل على الملف الكتالوني، الذي تحوّل إلى عقدة سياسية مزمنة بلا حلول جذرية. الأزمة تكشف أن الحكم الذاتي لا يُختبر بالشعارات والوعود، بل بمدى قدرة الدولة على إدارة الأزمات والخدمات الأساسية.

تحوّل ملف الحرائق إلى ورقة انتخابية مشتعلة، بعدما انفجرت موجة غضب شعبي ضد رئيس حكومة قشتالة وليون، ألفونسو فرنانديث مايييكو، الذي فضّل تمضية عطلته في قادس بينما كانت النيران تلتهم غابات “لاس ميدولاس”. هذه الفضيحة جاءت في توقيت حساس قبيل انتخابات مبكرة قد تُعقد في فبراير المقبل، لتضع حزب الشعب في موقف دفاعي صعب. وفي المقابل، يسعى الحزب الاشتراكي لترميم صفوفه عبر انتخابات تمهيدية، غير أن الانقسامات الداخلية لا تزال واضحة. فقد صعّد وزير النقل، أوسكار بويينتي، من لهجته ضد مايييكو، لكنه كشف في الوقت ذاته عن هشاشة الوضع الداخلي لحزبه. ومع اقتراب الاستحقاق الانتخابي في الأندلس، تتعقد حسابات سانشيز أكثر، خاصة أنه يتزامن مع مفاوضات شاقة حول الموازنة العامة ومعركة الحفاظ على تماسك التحالف مع الأحزاب الكتالونية.

ويعود اسم كارلس بوتشدمون، الزعيم الكتالوني المنفي، إلى واجهة المشهد من جديد، إذ يواصل فرض شروطه على سانشيز مقابل دعمه البرلماني. ورغم أن الاشتراكيين اعتبروا قانون العفو ثمناً مقبولاً، إلا أن استمرار ابتزاز حزب “جونتس” يضعف موقع الحكومة داخلياً، خاصة في ظل المد المتصاعد لليمين المتطرف في أوروبا. وفي موازاة ذلك، برز لاعب جديد هو حزب “التحالف الكتالوني” بقيادة سيلفيا أوريولس، التي نجحت بخطابها القومي المتشدد الممزوج برسائل معادية للهجرة في استقطاب أصوات من قواعد انتخابية متفرقة تشمل أنصار “إر سي”، الحزب الشعبي وحتى “ڤوكس”. وتشير المؤشرات إلى أن “التحالف الكتالوني” يتقاطع مع “ڤوكس” في أكثر من 40% من التصويتات داخل البرلمان الكتالوني، ما يفتح الباب أمام تحالفات غير متوقعة تزيد المشهد تعقيداً.

ومن الرباط، لا يُنظر إلى هذه التطورات باعتبارها مجرد خلافات حزبية داخلية، بل كتحولات تحمل انعكاسات مباشرة على الضفة الجنوبية للمتوسط. فتصاعد الخطاب المعادي للهجرة قد يترجم إلى سياسات أكثر تشدداً تجاه المغرب، بما يفرض ضغوطاً مضاعفة على الرباط في ملف حماية الحدود والدفاع عن مصالح الجالية المغربية في إسبانيا. كما أن أي اهتزاز في استقرار الحكومات الإسبانية أو صعود اليمين الشعبوي قد يعرقل مسار الشراكات الاستراتيجية، سواء في مكافحة الإرهاب والهجرة غير النظامية أو في المشاريع الاقتصادية الكبرى مثل الربط الطاقي والمبادرات البحرية.

ويبقى الملف الأكثر حساسية قضية الصحراء المغربية، حيث إن تنامي النزعات الشعبوية قد يفتح الباب أمام مراجعة الموقف الإسباني الداعم لمبادرة الحكم الذاتي، وهو ما يشكل خطاً أحمر في الاستراتيجية الدبلوماسية المغربية. وقد أشار المراقبون إلى أن أي تجرؤ محتمل من مدريد على المساس بهذه المبادرة قد يدفعها إلى دفع الثمن غالياً، باعتبارها بمثابة اللعب بالنار.

هذا ، ويعكس المشهد الإسباني انقساماً سياسياً عميقاً يهدد استقرار الجار الشمالي. أما بالنسبة للمغرب، فالأمر لا يتعلق بمجرد متابعة من بعيد، بل بضرورة قراءة هذه التحولات بعناية وإعادة التموضع وفق موازين القوى المتبدلة. فالرهان لم يعد شأناً داخلياً إسبانياً فقط، بل أصبح رهانا متوسطياً بامتياز، حيث تتقاطع حسابات مدريد مع مصالح الرباط في قضايا الأمن والهجرة والطاقة والصحراء.

16/08/2025

Related Posts