kawalisrif@hotmail.com

بعد نداء حدوش رئيس مجلس عمالة وجدة-أنجاد … جماعة بني خالد تضع مقبرتها لدفن موتى مدينة وجدة

بعد نداء حدوش رئيس مجلس عمالة وجدة-أنجاد … جماعة بني خالد تضع مقبرتها لدفن موتى مدينة وجدة

في المدن تُقاس الحضارة أحيانًا بطريقة تعاملها مع أحيائها، لكن في مدينة وجدة صار يُقاس حجم الأزمة بما آلت إليه مقابر موتاها … فإذا كان الدفن آخر محطة في رحلة الإنسان، فإن ما تشهده مقابر المدينة يكشف أن حتى هذه المحطة أضحت تعاني من ضيق المساحات، غياب التنظيم، وتردي التدبير. إنها أزمة صامتة، لكنها أشد وقعًا لأنها تمس كرامة الأحياء والموتى معًا.

لم يعد ملف المقابر في مدينة وجدة قضية ثانوية يمكن تأجيلها، بل تحوّل إلى أزمة بنيوية تكشف عمق الاختلالات في تدبير مرفق يرتبط بالبعد الروحي والذاكرة الجماعية للمجتمع. أزمة تتفاقم يومًا بعد آخر مع تآكل المساحات المخصصة للدفن وتزايد ضغط الساكنة على مقابر لم تعد تحتمل المزيد.

في هذا السياق، خطت جماعة بني خالد المجاورة خطوة عملية منذ سنتين بإصدار سلسلة من القرارات التنظيمية الهادفة إلى صون حرمة المقابر وتحسين ظروف تدبيرها بشراكة مع المجتمع المدني. وقد سبق للجماعة أن أصدرت مقرراً يقضي بافتتاح مقبرة الغفران بدوار لعراعرة تحاتة، في بادرة تعكس وعي المجلس بأهمية هذا المرفق، بينما تولّت جمعية الجرف الأحمر إخراج المشروع إلى حيز الوجود.

وتُعد مقبرة الغفران بحدود جماعتي بني خالد وبني درار مشروعًا نوعيًا، إذ أُنشئت بجوار عقار سيدي محمد الشريف على مساحة تناهز هكتارين و34 آرًا و4 سنتيارات، ضمن رؤية أوسع تهدف إلى اقتناء عقار مساحته 6300 متر مربع لبناء مسجد ومدرسة قرآنية. ورغم أن هذه المقبرة لم تُستعمل بعد لدفن الموتى، فإن الجمعية المشرفة على المشروع عبّرت عن استعدادها لوضعها رهن إشارة ساكنة وجدة، في وقت تعاني فيه عاصمة الشرق من اكتظاظ خانق بمقابرها القديمة.

غير أن مطالب الجمعية المحلية المذكورة اقتصرت على مطلب بسيط ووجيه: إدماج الحارس القائم على المرفق ضمن منظومة الإنعاش الوطني أو مصالح الجماعة، ضمانًا لاستمرارية دوره الحيوي في حماية التجهيزات وصون حرمة المكان.

الأزمة اليوم بعاصمة الشرق لم تعد مرتبطة فقط بنقص المساحات المخصصة للدفن، بل تحوّلت إلى مسألة كرامة إنسانية. فقد دق رئيس مجلس عمالة وجدة-أنجاد، لخضر حدوش، ناقوس الخطر مؤكدًا أن مقبرة الشهداء لم تعد صالحة للدفن بفعل الاكتظاظ، بعدما تحولت إلى متاهة ضيقة يجبر الزائرون فيها على المرور فوق القبور، في مشهد صادم يتنافى مع حرمة الموتى. واقترح حدوش إغلاقها نهائيًا وتحويلها إلى فضاء للزيارة فقط، مع توجيه عمليات الدفن نحو المقبرة الجديدة بطريق جرادة، التي افتُتحت سنة 2020 بطاقة استيعابية تصل إلى 15 ألف قبر تحت إشراف المجلس العلمي الجهوي.

لكن هذه الحلول تظل جزئية أمام حجم التحدي، إذ إن المقابر في وجدة ليست مجرد فضاءات للدفن، بل ذاكرة حيّة تحتضن أجيالًا متعاقبة، وتستدعي تدبيرًا يزاوج بين البعد الروحي والتنظيم العملي. وبين مشاريع جديدة لم تُفعّل بعد ومقابر قديمة غصّت بالرفات، تبقى الأزمة عنوانًا لسياسات مترددة، وصورة لمدينة تبحث عن مكان راحة لموتاها… فيما لا يزال أحياؤها غارقين في صراعات التدبير وضبابية الرؤية المستقبلية.

17/08/2025

Related Posts