kawalisrif@hotmail.com

وجدة … حين تتحوّل “لانݣوست” من مطعم إلى خمّارة ملتصقة بالمسجد والمقبرة !

وجدة … حين تتحوّل “لانݣوست” من مطعم إلى خمّارة ملتصقة بالمسجد والمقبرة !

وجدة، المدينة التي تُعدّ من كبريات الحواضر المغربية وشمال إفريقيا من حيث عدد المساجد، والتي اشتهرت عبر تاريخها العريق بكونها معقل العلم والفقه والاستقامة، وأرضًا أنجبت كبار العلماء وحَمَلة لواء الدين والمعرفة … مدينة كان يُفترض أن تبقى رمزًا للهوية الروحية وحصنًا للقيم الأخلاقية.

لكن المشهد اليوم يكشف عن مفارقة صادمة ، والمثال وما أكثرها … من مطعم “لانݣوست” الذي تحوّل إلى خمّارة ملتصقة بمسجد البركاني ومقبرة سيدي المختار، في قلب حيّ سكني كان يُفترض أن يكون فضاءً للسكينة لا مرتعًا للسكر والعربدة. ما يحدث ليس مجرد استثناء، بل عنوان لزمن عبثي يُطبع المجتمع على قبول الانحلال تحت لافتة “الحرية” و”الانفتاح”.

ليلًا، يتحول المكان إلى ما يشبه “حلبة قتال حر”: مشاجرات وضرب وجرح، عربدة وضوضاء، صراخ وضحكات ماجنة تمتد إلى الساعات الأولى من الصباح. تتحوّل الأزقة المحيطة إلى كابوس حيّ: سيارات مركونة بفوضى، قاصرات يُستدرجن باسم “الرفاهية”، وحيّ بأكمله رهينة نزوات عابثة لا تعترف بحرمة مسجد ولا قدسية مقبرة. والسؤال: كيف لمدينة كانت يومًا منارة للعلم والتقوى أن تختزل اليوم في مشاهد تُهدّد نسيجها الأخلاقي والاجتماعي؟

الأخطر أنّ مالك “لانݣوست”، الغارق في ملفات قانونية ومالية، لا يكتفي بإيرادات الخمارة، بل يسعى إلى شرعنة نشاطه بانتزاع رخصة رسمية بثوب مغاير لبيع الخمر “لغير المسلمين” حسب الصيغة، بعد أن تقدّم بطلب تعزيز نشاطه إلى “السوق المغطاة” … واليوم يعود بسيناريو وفتوة وخطة أخطر: نقل رخصة بيع المشروبات الكحولية إلى السوق المغطاة كملحقة للحانة ذاتها، ليزيد الطين بلّة ويعمّق الأزمة، ناشرًا الفساد من قلب حيّ سكني وبجوار مسجد ومقبرة! وكأننا أمام مرحلة جديدة من “تطبيع الفساد” بدل اجتثاثه.

وفي الوقت الذي تُغلق فيه المبادرات الثقافية والتربوية بحجّة “الضجيج” أو “غياب الشروط”، تُفتح الأبواب على مصراعيها للرذيلة تحت مسمّى “الاستثمار السياحي”. إنها مفارقة فجّة: مدينة تُلقّب بـ”عاصمة المساجد”، تُحوَّل أحياؤها إلى بؤر عربدة بجوار المآذن، فيما شبابها يُحرم من أبسط فضاءات الرياضة والثقافة. الرسالة صريحة: “الخمر مسموح باسم الاستثمار، أما الثقافة والرياضة فممنوعة باسم القانون!”

ويبقى السؤال المؤلم: هل كُتب على وجدة، التي أنجبت العلماء والصلحاء، أن تتحوّل إلى مختبر عبث “لانݣوستي” حيث تُرفع الكؤوس بمحاذاة المساجد وتُزاحم ضحكات السكارى أدعية الموتى؟ وربما يأتي يوم – لا قدر الله – تُحوَّل فيه المقابر نفسها إلى “مزارات سياحية” تُعرض للزوار مع كأس مجاني عند المدخل!

أما القسم الاقتصادي بعمالة وجدة أنجاد وتقارير الاستعلامات والأجهزة الموازية والمحلية، من القائد والباشا إلى الشؤون العامة، فيواصلون إنتاج تقارير منمّقة: هل هي لحماية المدينة وصون كرامة ساكنتها، أم مجرّد أوراق لتلميع العجز وتبرير الغياب؟ لقد برع البعض في تحويل الورق إلى جدار ضدّ المساءلة، لكنهم عجزوا عن تحويل الواقع المرّ إلى واقع أفضل.

وهكذا يغدو المشهد أقرب إلى ملهاة سوداء: مسؤولون يرتدون بزّات رسمية، يكتبون تقارير مطمئنة، فيما الحقيقة العارية تُطلّ من نافذة خمّارة ملتصقة بالمسجد والمقبرة. يا لها من ولاية… لا ينقصها سوى تقرير أخير بعنوان: “كل شيء تحت السيطرة”!

19/08/2025

Related Posts