وسط حضور جماهيري كبير وتعبئة غير مسبوقة من طرف السلطات المحلية، شهدت المدينة استقبالًا استثنائيًا للبطل المغربي–الألماني محمد “ذا ماشين”، سليل عائلة الناظور ، بعد رحلة أسطورية امتدت آلاف الكيلومترات برًا وبحرًا، انطلقت من مدينة دوسلدورف الألمانية وصولًا إلى ميناء بني أنصار.
كان أول احتفال بالرحلة في حضن الأم والجدة، حيث انهمرت الدموع وتعالت الزغاريد، لتختلط أنفاس الشوق بفرحة لا توصف، قبل أن يواصل البطل اليافع مسيره نحو كورنيش المدينة ومعلمة “أحب الناظور”، حيث احتشدت الجموع في مشهد رائع، فيما وثّقت عدسات القنوات الرسمية تفاصيل لحظة وطنية نادرة، لحظة استعادت فيها المدينة صور المجد والانتماء.
محمد، ابن الخامسة عشرة من عمره ، كتب إسمه بمداد العز في سجل الأبطال، مؤكدًا أن المستحيل لا مكان له في قلوب المغاربة. فمن عبد السلام الراضي إلى سعيد عويطة، ومن هشام الكروج إلى سفيان البقالي، يطل اليوم جيل جديد يواصل السلسلة الذهبية، ليؤكد أن المغرب سيبقى أرض التحدي وموطن الأبطال.
لكن وصوله لم يكن نهاية الرحلة، بل بداية قصة أعمق: قصة الجيل الرابع من مغاربة العالم، جيل يجسّد الوصل بين الضفتين ويعيد اكتشاف الوطن بروح جديدة، جاعلًا من الرياضة جسرًا للانتماء ورسالة عشق للعالم. فخطواته من شوارع دوسلدورف الباردة إلى دفء الريف المغربي، ومن صمت الغربة إلى صخب الزغاريد، تحولت إلى صرخة صادقة تقول:
رحلة “ذا ماشين” لم تُوثّق فقط على مواقع التواصل الاجتماعي، حيث تابعها عشرات الآلاف، بل نُقشت في وجدان كل مغربي رأى فيها انعكاسًا لقيم التضحية والوفاء والإصرار. وفي لوحة إنسانية باذخة على كورنيش الناظور، اختُزلت كل الدلالات في عناق الأم والجدة: عهد متجدد بين الأجيال يثبت أن الانتماء لا تضعفه المسافات ولا تمحوه عواصف الغربة.
ليست هذه مجرد مغامرة لشاب يافع، بل إعلان صريح أن الوطن لا يزال ينجب أبناءً يكتبون صفحاته بعرقهم وصبرهم وإيمانهم. إنها رسالة إلى الداخل والخارج معًا: أن المغرب، من السعيدية إلى طنجة، ومن طنجة إلى لكويرة، سيظل واحدًا موحّدًا، وأن أبناءه، في الداخل والمهجر، سيبقون دائمًا سيوفًا مشرعة لرايته.
رحلة محمد لم تنتهِ عند خط الوصول بالناظور، بل دشّنت بداية التحضيرات لمغامرة جديدة أطول وأصعب، تمتد على مسافة 3500 كيلومتر، انطلاقًا من السعيدية مرورًا بمدن المملكة وصولًا إلى لكويرة، آخر ذرة رمل في صحراء المغرب. هناك، سيكتمل المعنى وتُكتب ملحمة جديدة في سجل الخلود: جيل رابع، لكنه يحمل روح الأجداد وعزيمة الأبطال، ويجسد رسالة مغاربة العالم في أبهى صورها.